أرشيف الوسم: culture

حرب الخليج و محمد هيكل


محمد حسنين هيكل، حرب الخليج: أوهام القوة و النصر، القاهرة، ١٩٩٢

إن كان هناك ما أنقذ هذا الكتاب فهما أمران: بداية غزارة المعلومات التاريخية التي يحتويها ، ثم أسلوب هيكل السلس في صياغة هذه المعلومات و سردها بشكل سهل و فيه نوع من الترابط ، بالطبع فإن ما ساعد على هذين الأمرين هو خبرة الكاتب في مجال الكتابة الصحفية الموجهة بالغالب لعامة القراء ، والكتابة البسيطة لعامة القراء هي سلاح ذو حدين ، فهي شعبية و تجذب قراء من كل المستويات الثقافية ، و من ناحية أخرى قد تكون بسيطة أكثر من اللازم لتقترب من السطحية أو حتى السذاجة في بعض الأحيان!

غول البترول

كل مشاكل العالم في نظر هيكل سببها الغول القامع في قمقم منابع “البترول” ، فالبترول -بنظر هيكل- هو ما بنى أمريكا و جيش جيوشها و حرك تلك الجيوش ، و البترول في نفس الوقت هو سبب كل مشاكل العرب ، بل إن ما سبب البترول من مشاكل ومطامع طال حتى الإتحاد السوفييتي (رغم أننا نعرف اليوم أن روسيا تملك واحدا من أكبر احتياطيات البترول بالعالم).

دور البترول كقوة اقتصادية مؤثرة هو أمر لا يمكن إنكاره ، لكن مهما كانت أهميته لا يمكن أن يكون هو ذلك السبب الرئيسي بالشكل الذي صوره هيكل مغفلا أو متغافلا عن العوامل الأخرى المؤثرة كالعوامل الثقافية و الاجتماعية و التي و إن كان هيكل قد تطرق لها فإن طرحه صورها لا كعوامل أساسية بقدر ما كان استشهاده تأكيدا على نظريته البترولية! فالثقافة بترولية و المجتمع بترولي و السياسة بترولية و التاريخ بترولي بنظر هيكل.

تاريخ مسطح

و بالحديث عن التاريخ نجد أن الكاتب رغم غزارة معلوماته سطّح بعض الحقائق التاريخية و صاغها بما يناسب طرحه و هذه واحدة من أكبر المآخذ على هذا الكتاب ، فقضية الحدود العراقية الكويتية السعودية -على سبيل المثال- و هي واحدة من أعقد المسائل التاريخية قد اختصرها هيكل بأنها ناتجة عن خط رسمه “كوكس” على الخريطة في لحظة غضب و أن هذه الحدود لم تكن موجودة من الأساس بسبب الطبيعة “البدوية” لسكان هذه المنطقة التي كانت تتنقل بين بحار الرمال! و اختصر هيكل كذلك العلاقة السياسية و الدبلوماسية المعقدة بين الكويت و بريطانيا و الدولة العثمانية مصورا اتفاقية الحماية التي وقعت بين الكويت و بريطانيا و كأنها مؤامرة استعمارية تهافتت عليها بريطانيا لتسيطر على المنطقة و تهزم الخلافة العثمانية… بينما الواقع التاريخي يوضح بأن هذه المعاهدة لم توقع إلا بعد معركة دبلوماسية بين الأطراف الثلاث نتج عنها اتفاقية كانت بالأساس سرية لعدم رغبة بريطانيا لأن تكون طرفا في هذه المسألة من الأساس!

الطرح التاريخي المتعلق بالخليج و الكويت من ما يذكره هيكل كحقائق تاريخية هي بالواقع تنم عن نظرة بها نوع من “الاستشراق” الداخلي تصور منطقة الخليج على أنها مشايخ قبليّة رجعية بشكل أو بآخر ، و نحن هنا لا نقول بأن هذا الأمر غير صحيح أو حتى بأنه “عيب” يجب الخجل منه! و لكن ما أحاول قوله بأن طريقة عرض هيكل له قدمت بشكل نمطي و غير منصف إن صح التعبير.

إغفال اللب

إضافة لذلك ، و استكمالا للنظرة البترولية الهيكلية ، نجد الكاتب قد انجرف بتصوير حرب الخليج و كأنها حرب مصالح بين أمريكا و العراق… و له في ذلك مبرراته ، و لكن طرحه هذا كان فيه تجاهل واضح للجانب الإنساني من القضية ، و مرة أخرى نحن هنا لا ننكر دور “المصالح” التي حركت أطراف هذه الحرب… و لكن التركيز على مبدأ “التمصلح” أو “التمصلح البترولي” على وجه أدق أدى بهيكل لأن يغفل حقيقة الدافع الإنساني الذي حرك الشعوب لمساندة قضية الكويت و الحشد لهذه الحرب ، فمرور هيكل كان لا يتجاوز التلميح لما ارتكبته القوات العراقية في الكويت من جرائم إنسانية .. بل أدنى حتى من التلميح إن لم يبذل القارئ جهدا في استخلاص ذلك من كلام هيكل! فهو تناول كل ما حدث حول الكويت قبل الغزو و أثناءه و بعده (و ربما على عجالة لأميرها و حكومتها في المنفى) و تناسى ما حدث فيها و على أرضها و لشعبها رغم أن ذلك من المفروض أن يكون هو الأساس الذي قامت الحرب لأجله! و لكن يبدو أن هيكل تجاهل ذلك لأن فيه إضعاف لنظريته التي تعتبر المنطقة بترولا تحت رمال يرقد فوقها شيوخ القبائل قبل أن تكون شعبا و تاريخا و ثقافة… و تلك هي النظرة الإستشراقية التي اعتدنا عليها من الغرب.. و من أغلب العرب.

إضافة لذلك نجد بأنه حسب طرح هيكل لمجريات الحرب (وهي من المفترض بأنها حرب “تحرير الكويت“) نجده نسى تمام الهدف الأساسي (على الأقل المعلن) منها حتى أنه لينهي الفصل العاشر المعنون بـ”عاصفة الصحراء” صراحة بأن هدف الحرب تحقق بتدمير “الامكانيات العراقية” … دون حتى الإشارة إلى “هدف” تحرير الكويت من القوات العراقية الغازية!

هل أنصح بقراءة الكتاب؟

نعم..

بالنهاية فإن الكتاب بشكل عام يعتبر مصدرا تاريخيا غنيا ليس فقط بما يتعلق بحرب الخليج (أو حرب تحرير الكويت) بل بتاريخ المنطقة الحديث منذ بداية القرن العشرين و حتى العقد التاسع منه لا سيما لفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية (بغض النظر عن بعض التسطيحات المقصودة أو غير المقصودة كما ذكرنا أعلاه) ، كما أن الكتاب سهل القراءة كما ذكرنا سابقا رغم أنه يحوي أكثر من 630 صفحة ، و لكن يجب التعامل معه بحذر و قراءته قراءة نقدية لا تسلّم بكل ما ورد به على أنه هو الحقيقة الكاملة و الشاملة لحرب الخليج و “حروب البترول” كما أسماها الكاتب ، فهناك دائماً صورة أكبر و دوافع أعمق من البترول المجرد و مصالحه.

قد يوافق هذا الكتاب هوى الكثير العرب و بعض الأجانب لأنه يؤكد صورة نمطية تكونت لديهم خلال سنين طويلة ، كما أنه قدم رأيا مختلفا (أو كان مختلفا وقتها) عما كان شائعا عن الحرب عبر الإعلام و الأحداث السياسية المعاصرة للحرب ، و لكن ذلك لا يكفي اليوم و بعد عشرين عاما (أو أكثر) من انتهاء أحداثها ، فكلام هيكل و الفكرة العامة لنظريته (والتي لا زلت لا أختلف معها من حيث المبدأ) أصبحت اليوم شائعة و معروفة خاصة بعد حرب الخليج الثالثة (2003) ، و الخطر الكامن هنا هو بانقلاب حالة المعرفة العامة ليصبح كلام هيكل الذي كان ردا على حالة معرفية شائعة هو الأساس المؤكد بينما حقائق التسعينات و ما قبلها المخالفة له هي الأمر الشاذ! بمعنى آخر على القارئ عندما يقرأهذا الكتاب أن يضع باعتباره أنه كتب عام 1992 ، فإن كان القارئ عاصر ذلك التاريخ و ما قبله فإنه سيكون مكملا لما عاصره… أما إن لم يعاصر ذلك التاريخ فعليه أن يتذكر بأن هذا الكتاب يمثل وجها واحدا فقط للحقيقة… و التاريخ دائما متعدد الأوجه!

———–
تحديث:

إن كنت تبحث عن نقد مطول و أكثر “شراسة” للكتاب يمكنك الرجوع لكتاب “محمد حسنين هيكل و أوهامه عن القوة و النصر: حقائق حرب الخليج” لحنفي المحلاوي ، في هذا الكتاب يفند الكاتب مستعينا بكتابات كل من محمد جلال كشك و عبد العظيم ومضان العديد من المعلومات التاريخية التي صاغها هيكل في كتابه و يبين كيفية تلاعب هيكل بالألفاظ لتقديم صورة للقارئ قد تخالف ما هو حاصل بالواقع.

نجد في كتاب المحلاوي نقدا لاذعا لهيكل و اتهاما له بالكتابة مرتديا “الجزمة البعثية” كما يقول الانجليز! و يذكر بأن هناك تحيز واضح من هيكل نحو وجهة النظر العراقية و يستدل على ذلك بإنكاره للسبب الحقيقي للحرب و بتصويرها على أنها حرب عدوان على العراق و بأن هذه الحرب تفتقر للشرعية دون أدنى إشارة إلى كون العدوان العراقي على الكويت قد نسف كل أسس الشرعية من جذورها و صوره (تلميحا) كأنه حركة طبيعية استرد بها العراق الجزء السليب الذي اقتطعه منه الإستعمار الانجليزي.

من ناحية أخرى يعرض الكاتب اختلافات جذرية بين النسخة الإنجليزية من الكتاب (وهي التي طبعت أولا) و بين النسخة العربية ، و يتهم هيكل بأنه تلاعب في بعض الجمل و الألفاظ و زاد أو أنقص بعضها بحيث خرجت النسخة الانجليزية منه أشد قسوة على النظام المصري و أكثر دعما للنظام الأردني من النسخة العربية بحيث يكون الكتاب أكثر صلاحية للاستهلاك المصري ، كما يوضح أغلاطا جلية في بعض المعلومات التي أوردها الكتاب و التي أوقعت الإعلام المصري في حرج كحادثة تكذيب جمهورية أفريقيا الوسطى لمعلومة مشاركتها في حرب الخليج و إرسالها قوات للقاهرة طمعا في المساعدات المالية كما يدعي هيكل!

النقد في هذا الكتاب لاذع و شديد و لكنه في أحيان كثيرة يثري معلومات القارئ و يبين له على الأقل وجود وجهة نظر مختلفة و ينبهه على أن لا يأخذ بالمعلومة دون تحقق… حتى لو كان مصدرها محمد حسنين هيكل بجلالة قدره.

بينالي البندقية… حلم

ماهو البينالي؟

البينالي (بنيالي/بينيالي/Biennale/Biennial) هو نوع من المعارض الفنية تقام مرة كل عامين ، هذه المعارض تكون بمشاركات من عدة دول حيث يخصص لكل دولة جناح (أو بافليون Pavilion) تعرض فيه أعمال فنانيها المشاركين ، في نهاية كل بينيالي تقوم اللجنة المنظمة باختيار الدولة الفائزة بجائزة أفضل جناح بالإضافة للفنانين و الأعمال الفائزين بجائزة أفضل الأعمال الفردية.

هناك العديد من البيناليات العالمية الشهيرة في كثير من الدول مثل بينالي فلورانسا و الويتني بينيالي و بينالي موسكو و بينالي شنغهاي ، و هناك العديد من البيناليهات العربية كذلك مثل بينالي القاهرة و بينالي الشارقة ، و طبعا في الكويت لدينا بينالي الكويت و بينالي الخرافي.

بينالي البندقية

بالطبع فإن بينالي البندقية (فينيسيا) (The Venice Biennale/Biennale di Venezia) يعتبر واحدا من أقدم و أهم البناليهات بل و من أهم أحداث الفن المعاصر الدولية و التي يتم إنتظارها كل سنتين منذ عام 1895 و التي ستعقد دورته الرابعة و الخمسين هذا العام 2011 ، و هو طبعا يقام في مدينة البندقية Venice في إيطاليا بمشاركة العشرات من دول العالم حيث شارك بالدورة السابقة الثالثة و الخمسين (2009) سبعا و سبعين دولة و قام بزيارة أجنحة المعرض أكثر من 357,000 زائر.

بالإضافة للمعرض الرئيسي هناك أيضا معارض مصاحبة تشمل بينالي البندقية للفن المعماري و مهرجان البندقية السينمائي بالإضافة لمعارض و مهرجانات المسرح و الرقص و الموسيقى.

المشاركة العربية

رغم عراقة بينالي البيندقية إلا أن تاريخ المشاركات العربية فيه تعتبر حديثة نسبيا ، أول مشاركة عربية في مهرجان البندقية كانت لمصر (حسب علمي منذ 1952) و تلتها مشاركات لسوريا و لبنان و فلسطين و الإمارات التي تعتبر أول دولة خليجية تشارك في البينالي و ذلك في عام 2009 و بانتظار أن تشارك في معرض هذا العام أيضا بالإضافة للمملكة العربية السعودية.

المشاركة البحرينية

لعل أبرز المشاركات العربية كانت لمملكة البحرين و ذلك في بينالي البندقية للفن المعماري في عام 2010 حيث أنها لم تشارك فقط.. بل و فازت بجائزة الأسد الذهبي كأفضل جناح مشارك في المعرض !

جانب من الجناح البحريني في بينالي البندقية المعماري

جدير بالذكر كذلك أن ما ميز مشاركة البحرين هو كونها مشاركة فنية من التراث و التاريخ البحري الخليجي ، العمل المشارك عبارة عن ثلاثة أكواخ بحرية خشبية (عرزالات) يستخدمها الصيادون للجلوس و الراحة في وقت راحتهم ، المغزى من العمل هو بيان التحدي المعماري الذي يواجة المملكة في ظل التقدم المعماري المعاصر و معاناة الهوية المعمارية البحرينية في مواجهة هذا المد الثقافي الجديد.

Noura Al-Sayeh architect, co-curator of ‘Reclaim’ from epiteszforum on Vimeo.

العمل المشارك كان بإشراف وزيرة الثقافة البحرينية الشيخة مي بنت محمد الخليفة و تنظيم الفنانين المعماريين نورة السايح و الدكتور فؤاد الأنصاري.

المشاركة الكويتية

حان وقت الدراما !!

طبعا الكويت إلى الآن لم تشارك في بينالي البندقية ، و لكن ليس هذا ما يهمنا بالموضوع.. ما يهمنا هو أن الحديث عن المحاولات الكويتية للمشاركة بدأ في عام 1962 بمقالة كتبها الفنان خليفة القطان بجريدة الهدف بعنوان “الكويت و معرض البندقية الدولي” ، كتب خليفة القطان هذه المقالة بعد أن زار بينيالي الـ1962 أثناء تواجده في إيطاليا لإقامة معرضه الفني الخاص هناك ، تحدث خليفة القطان عن مشاهداته في ذلك البينالي و عن تاريخه و تنظيمه و طالب بأن تسعى الكويت للمشاركة في معرض الـ1964 القادم بعد أن اقتصرت المشاركات العربية في المعرض الذي زاره على الجمهورية العربية المتحدة ! و ذكر خليفة القطان بأهمية أن تضع الكويت اسمها و ترفع علمها وسط الدول المشاركة بالبينيالي لأن في ذلك أفضل دعاية للثقافة الكويتية و التي كانت في ذلك الوقت في أمس الحاجة لها (و ما زالت).

طبعا خليفة القطان لم يكتف بالمطالبة و المناشدة بالمشاركة ببينالي البندقية… بل سعى مع مجموعة من زملائه للمشاركة الفعلية فيه… و لكن محاولاته باءت بالفشل لأن البينالي لا يقبل المشاركات الفردية بل يجب أن يقدم طلب المشاركة رسميا من قبل الدولة المشاركة ، و بما أنه لم توجد في الكويت جهة رسمية تمثل الفنون (و ما زالت.. تقريبا) فإن طلب الفنانين الكويتيين قوبل بالرفض.

خليفة القطان لم يكتف بمحاولة المشاركة الفاشلة… بل سعى لتكوين جهة رسمية تمثل فناني الكويت و تنظم أمورهم و تطالب بحقوقهم ، و تم له ذلك عام 1967 بتشكيل الجمعية الكويتية للفنون التشكيلية والتي تمت تزكية القطان ليكون أول رئيس لها ، جدير بالذكر كذلك أنه من ضمن أوائل أنشطة الجمعية كانت تأسيس بينيالي الكويت و الذي أقيم أول مرة في ربيع عام 1969 بمشاركة ثمان دول عربية.

رغم حصول الكويت على بيناليها الخاص إلى أنه و بسبب البيروقراطية و انعدام الاهتمام و الجدية الحكومي و وجود الخلافات و الحزازيات بين الفنانين أنفسهم ظلت المشاركة في بينالي البندقية… حلما لم يتحقق ، مر 48 عاما على حلم خليفة القطان… و ها هي شقيقاتنا العربيات و الخليجيات تتسابق في المشاركة و الفوز بالبيناليات و المعارض العالمية و نحن ما زلنا … نحاول.

فهل موعدنا 2013 ؟

——–

مصادر:

موقع بينالي البندقية

معلومات عن البينالي

موقع designboom متحدثا عن فوز البحرين

موقع الجناح الإماراتي

شيخ الفنانين: خليفة القطان و الدائرية

الفئران آتية !

لكي نكون منصفين فعلينا أن نقر بأن الفئران مظلومة ، كثيرا ما يعتقد الناس بأن الفئران تسبب الأمراض بينما هي بالحقيقة لا “تسببها” بل في بعض الأحيان “تنقلها” و الفرق بين الأمرين واضح ، فالطاعون (وهو أشهر الأمراض المرتبطة بالفئران) هو مرض تسببه بكتيريا اليرسينية و التي تنتقل إلى الفئران و الجرذان بواسطة البراغيث ، لذلك فالفئران برأيي مسكينة… اضطرتها الظروف إلى أن تعيش في بيئة و نمط حياة عرضها لكي تكون ضحية هذا المرض الخبيث لتكون وسيطا سيء السمعة ينقل لنا الطواعين دون أن يكون له الخيار في ذلك.

ليست جميع الفئران ناقلة للأمراض بشكل طبيعي ، فعلينا هنا أن لا ننسى كذلك فئران التجارب البيضاء الجميلة ، تلك الفئران “المخدّية” و المغلوبة على أمرها حالتها صعبة ! فهي تظن بأنها تعيش في أحضان الطبيعة الخلابة بينما هي بالواقع موضوعة في قفص زجاجي صغير.. تلقم الطعام تلقيما… طعام لا تدري من أين مصدره و لكنها تأكله لتعيش ، تغرز بحقن مشبوهة المحتوى أحيانا ، تضيع في متاهات مجهولة الهدف في أحيان أخرى ، فهي إذن أيضا حيوانات مسكينة حتى و إن كانت لا تحمل الأمراض.

و طبعا ليست جميع الفئران سيئة أو مسكينة ، فهناك ميكي ماوس الطيب و مايتي ماوس القوي و الفأر جيري الذي كثيرا ما يحسّر بالقط توم ، و للفئران أعداء لدودين مثل القط توم الآنف الذكر.. و محمد السنعوسي و صاحب فتوى ميكي ماوس الشهيرة ، يعني الفأر له قاعدة ثقافية عريضة في حياتنا و ليس مجرد مخلوق صغير من رتبة القوارض كما نعتقد.

هناك نوع ما من البشر يشابه في خواصه الثقافية … الفأر ، مو قصدي بهذا التشبيه الإساءة على الإطلاق… فأنا شخصيا أعتبر من هذا النوع من البشر 🙂

<white mice pet  mouse
white mice pet mouse By Joost J. Bakker IJmuiden

المدونون !

نعم.. هناك المدون الطيب و المدون البطل و المدون المشاغب ، و هناك أيضا المدون ناقل الطواعين و المدون فأر التجارب… و هذان النوعان الأخيران هما موضوع مقالي لهذا اليوم.

بدأ تفكري في الوسط التدويني الكويتي قبل بضع أسابيع عندما انتشرت بين المدونات قائمة تضم “التوب تن” بين المدونات الكويتية حسب تصنيف موقع أليكسا ، كمطور مواقع إلكترونية لي رأي في موقع أليكسا و مصداقيته و لكن ليس هذا مجال طرحه ، ما يهما هنا و ما شد انتباهي هو نوعية تلك المدونات التي يقبل عليها الكويتييون… كانت صدمة خفيفة بالنسبة لي لأني اكتشفت بأن الوضع أسوء مما كنت أتصور !

قبل أن أكمل كلامي عن تلك المدونات “التوب” و ما هو محتواها أود أن أذكر بأن الوقت مناسب الآن للاطلاع على موضوع هل أنت دودة؟ إن لم تكن قد قرأته من قبل أو كنت تحتاج لتذكره لأن الكلام القادم متعلق به بشكل مباشر و بموضوع المجتمع الإستهلاكي الذي تناولته بعدة مقالات سابقة.

المدونات صمام ذو إتجاهين ، فاتجاه المدونة يعتبر تمثيلا لإتجاه المجتمع… و في نفس الوقت فإن المدونة عامل موجه لذلك المجتمع ، يعني المدونات تعبر عن رأي المجتمع ، و المدونة قد تحمل أيضا مشعل القائد للمجتمع و المحرك له ، لذلك فإن الإطلاع على المدونات و طريقة تفكير أصحابها يعطينا مؤشرا قويا على الإتجاه الذي يسير أو سيصل إليه المجتمع ، لهذا السبب علينا أن ننظر لقائمة أشهر المدونات الكويتية بشكل جدي و ندرسها بعناية.

ما هي تلك المدونات و ما هو محتواها؟

دون الدخول بالتفصيل الممل يمكن الاطلاع على القائمة في موقع الأخ فرانكوم.

الحالة مارك

طبعا يتربع على رأس القائمة المدون الشهير مارك ، مارك هو واحد من أعرق المدونين في الكويت ، فقد بدأ التدوين منذ عام 2004 تقريبا في الوقت الذي كان غالبية الناس لا تعرف حتى معنى كلمة بلوق ، مدونته منوعة و تحتوي على الغث و السمين من المواضيع ، مواضيعه بشكل عام لا بأس بها… و لكن ذلك لا يمنعنا من أن نوجه له إصبع الإتهام باعتبار أنه هو من أشعل شرارة التدوينات الإستهلاكية ! مارك هو شاب يعشق جمع “الأشياء” و يجيد الحديث عنها ، فنجده تارة يتكلم عن كاميرة جديدة ، و عن حذاء أو مكينة حلاقة تارة أخرى ، من أشهر مواضيع مارك كذلك هي المواضيع التي قدم فيها تقييما لمطاعم شاورما الدجاج و مطاعم البرغر الكويتية و العالمية ! إستطاع مارك من خلال الشخصية و النفسية “الكوول” التي يمتلكها أن يجمع من حوله قاعدة جماهيرية شبابية عريضة ، هذه القاعدة الجماهيرية -بالإضافة لإجادته لفن التقديم- جذبت انتباه الشركات و المؤسسات التجارية التي بدأت تعي أهمية الشبكات الاجتماعية في التأثير التسويقي (أضف لذلك كون مارك متخصص في مجال التسويق و يعمل بواحدة من أكبر شركات الدعاية و الاعلان في المنطقة) ، فقامت تلك الشركات التجارية باستغلال وضعه الاجتماعي من خلال تزويده بأحدث منتجاتها و خدماتها ليقوم بالحديث عنها من خلال مدونته ، طبعا الكثير من متابعي مدونته شعروا بنوع من الغيرة و تمنوا أن يكونوا بمكانه ، فمنو يعاف إنه يحصل على معاملة خاصة و فرصة لتجربة “الأشياء” ببلاش؟

بدأت بعد ذلك المدونات بشكل عام الانتشار بالكويت و المنطقة ، و لا أعرف من هو أول من قام بعملية “الإستنساخ الماركي” و لكن ظهرت على السطح مجموعة كبيرة من المدونات ذات النفسية “الكوول” و التي تقدم -بشكل سطحي بأغلب الأحيان- عرضا لأحدث “الهبّات” في الوسط الشبابي الكويتي ، فانتشرت مواضيع الكب كيك و المجمعات و الأحذية و برامج الآي فيون و الحقائب و المطاعم و الإكسسوارات ، و ياريت إن هالمواضيع ذات طابع تحليلي مفيد… بل هي بالغالب على شكل صورة و تعليق بفقرة واحدة… أو فيديو يوتيوب و تحته سطر.. أو حتى بدون سطر ! و أنا هنا لا ألوم المدونين على هذا الطرح.. فكل حر فيما يكتب أو يقدم.. و بالنسبة لي فإن الإبتعاد عن هذه المدونات و مواضيعها الـ#### هو أفضل حل ، جل ما أستطيع أن أقدمه لهؤلاء المدونين هو نصيحة بتغيير نمط حياتهم حتى لا يتحولوا إلى مخلوقات دودية.. أو يسقطوا ضحية للطاعون -و العياذ بالله- بنشرهم للفكر الإستهلاكي بين صفوف الشباب!

المرحلة التالية في عالم المدونات -وهي الأكثر خطورة- هي مرحلة الوعي التجاري ، بالطبع فإني أستخدم كلمة “الوعي” بتحفظ لأن ذلك الوعي ليس بالضرورة أن يكون شيئا إيجابيا ! إنتبهت الشركات التجارية لمسألة التسويق الإجتماعي كما ذكرنا عند الحديث عن حالة مارك ، و لكن ما حصل مع البعض هو تحول مسألة التسويق إلى مسألة تقترب من “الرشوة” ! أستطيع أن أفهم أن تقوم وكالة سيارات مثلا بإتاحة الفرصة لمدون لتجربة سيارتهم الجديدة و الحديث عنها (هذا إن كانت المدونة متخصصة في عالم السيارات مثلا)… و لكن كيف نفسر أن يقوم دليل للمطاعم بتقديم صناديق من الشوكولاتة أو الآيسكريم للمدونين كـ”هدية”؟! ما علاقة خدمتكم بموضوع الآيسكريم؟ .. هل الشوكولاته مصنوعة بمصنع الوالد مثلا؟! و طبعا المدون المسكين لفرط سعادته بأن هناك من أعطاه ويهاً يقوم بحسن نية بزف خبر تلقيه لهذه “الهدية” السكرية و شكره و تقديره للمؤسسة الفلانية أو الموقع العلاني على بادرتهم الطيبة دون أن يعلم بأنه بحركته هذه قد تحول لفأر تجارب قد تم وخزه بإبرة لا يعلم محتواها! فهل فكر بالسبب الذي دعى تلك الجهة لتقديم تلك الهدية له شخصيا؟ هل فكر بدوافعها و بآثارها؟

Mushroom Burger

الإرهاب الغذائي

الحادثة الأخيرة و الأخطر و التي فجرت هذا الموضوع هو إقدام أحد مطاعم الوجبات السريعة على دعوة مجموعة من المدونين لتجربة منتجهم الجديد ، تسأل ما هو هذا المنتج الجديد؟ هو كارثة حقيقية !!! ففي الوقت الذي تحاصر فيه مطاعم لوجبات السريعة و يضغط عليها شعبيا و إعلاميا في سبيل محاربة ما تقدمه من سموم أثبت الأبحاث و التجارب المخبرية ضررها على الصحة العامة نجد ذلك المطعم قد استورد لنا وجبة “حصرية” من أجل أن يقدمها كهدية لنا مساهمة منه في تضييق شراييننا و توسيع كروش شبابنا! فماذا كانت ردة فعل مدونينا الأكارم؟ لا شيء سوى السمع و الطاعة و السقوط في الفخ تحت تأثير رائحة الجبنة.. المصحوبة بالهمبرغر اللذيذ… الله يزيد النعمة !

المدون مارك صريح مع من يريد التعامل معه ، فهو يشرط عليهم أن يقوم بنشر ما يعجبه من المنتجات.. أما ما لا يعجبه فإنه لا يتكلم عنه إطلاقا حتى لايخسر “الزبون” ، فهو على الأقل وضع لنفسه معيارا يقبل فيه ما يشاء و يرفض ما يشاء ، سمعت بمدونة أخرى (و هي أيضا مؤلفة كتب) قدمت لها إحدى الشركات الكبرى عرضا مغريا كي تهدي لهم بعض أعمالها… لكنها رفضت عرضهم السخي… لماذا؟ لأن تلك الشركة لها سجل غير مشرف في المجال البيئي.. و ذلك أمر يخالف مبادئ تلك المدونة !

مبادئ” .. هل سمعت بهذه الكلمة من قبل؟ المبادئ و القيم و المعايير هي ما يفرق بين الفأر الطيب البطل و الفأر ناقل الأمراض.. و فأر التجارب ، فأي نوع من تلك الفئران تود أن تكون يا عزيزي المدون؟ هل ستسقط في الفخ أم ستعيش حرا؟

والله يكافينا شر الطواعين.

الكندل الجديد: الانطباع الأولي

بعد أن أخرجت الجهاز من الصندوق حاولت أن أزيل الملصق الذي يغطي الشاشة لأبدأ باستخدامه ، لكني صدمت عندما اكتشفت أن ذلك لم يكن ملصقا مطبوعا.. بل كانت تلك هي الشاشة بالفعل !!

لم يسبق لي أن جربت أي نوع من أنواع قارئات الكتب الإلكترونية كالكندل القديم أو السوني ريدر أو النووك ، و لكني جربت القراءة من خلال الآيفون و الآي باد (على عجالة) و بالطبع على شاشة الكمبيوتر ، بالتالي لا أستطيع أن أقارن بين الكندل الجديد (2010) إلا بما جربت من قارئات.. بالإضافة للكتب الورقية طبعا.

سر روعة شاشة الكندل هو أنها لا تستخدم الإضاءة الخلفية أو الداخلية كما هو حال شاشة الكمبيوتر أو الهاتف ، بل تعتمد على الإضاءة الخارجية كحال الورق الطبيعي ، ميزة هذه التكنلوجيا هي أنه يمكن استخدامها بوضوح حتى تحت ضوء أشعة الشمس ، كما أنها مريحة للعين بشكل أكبر بكثير من الشاشات التقليدية ، و لا ننسى طبعا أنها تعطي دقة مدهشة للنصوص و للصور المعروضة.

من ناحية أخرى فإن ما يمكن أن يعاب عليها هو أن لا يمكن استخدامها بالظلام ، بالتالي ستحتاج لمصدر ضوء خارجي إن كنت من هواة القراءة في الفراش مثلي 🙂 ، يباع للكندل محفظة أو غلاف جلدي جميل يحتوي على إضاءة مدمجة تساعد على القراءة الليلية… و لكن طبعا عيب هذه المحفظة هو أن سعرها يعادل نصف سعر الكندل نفسه تقريبا ! الشاشة طبعا ليست ملونة بل مونوكروم ، أي أنها تعرض الصور و النصوص باللون الأبيض و الأسود و درجات اللون الرمادي ، بالبداية كنت أظن بأن ذلك عيبا كبيرا بالكندل إذا ما قورن بالآي باد مثلا ، و لكن بعد أن شاهدت جودة و دقة الصور ما عاد الأمر يهمني كثيرا ، فالصور تضاهي في جودتها أفخر أنواع الطباعة الصحفية و أستطيع القول بأنها أفضل حتى من جودة الصور كما أراها على شاشة كمبيوتري… و لكن بالأبيض والأسود طبعا.

تحميل الكتب للكندل عملية سهلة جدا ، بالطبع يمكنك شراء الكتب من متجر الكندل على الأمازون (عبر الكمبيوتر أو عن طريق الكندل مباشرة) ، فبعد الضغط على زر الشراء يتم تحميل الكتاب أوتوماتيكيا و لاسلكيا إلى الكندل (طبعا عليك قبل ذلك أن تربط الكندل بشبكة الوايرلس أو الثري جي) ، عملية النقل تلك لن تكلفك شيئا إذا كنت تستخدم الوايرلس.. أما إن كنت تستخدم الثري جي فقد تكلفك العملية قيمة النقل (لست متأكدا من القيمة إلى الآن) ، يمكنك كذلك تحميل الكتب عن طريق كيبل اليو أس بي ، و يمكنك أيضا إرسال الكتاب عن طريق الإيميل على شكل ملحق (attachment) إلى بريد خاص يحدد لك عندما تشتري الكندل ، جدير بالذكر أنه عند طلبك للجهاز فإنه يأتي لك معدا مسبقا و مرتبطا بنفس الحساب الذي استخدمته عند شراؤك له ، يعني لن تحتاج لأن تعدل بالإعدادات إلا إن كنت قد تلقيت الجهاز كهدية مثلا.

بالإضافة للكتب المشتراة من متجر الكندل يمكنك أيضا أن تشغل أي ملف بي دي أف PDF أو txt أو HTML أو ملفات الصور أو الـ mp3 ، و على فكرة.. يستطيع الكندل أن يقرأ لك كتبك (بالإنجليزية) بصوت جميل و واضح 🙂

لعل السؤال الأهم و الذي قد يكون هو دافعك لقراءة هذا الموضوع هنا…

هل يقرأ الكندل اللغة العربية؟

يسعدني أن أخبرك بأن الجواب هو …

نعم 🙂

قد لا تكون الكتب العربية متوفرة في الوقت الحالي على متجر الكندل ، و لكن يستطيع الكندل أن يعرض الكتابة العربية بشكل جيد بصيغة الـ PDF ، جربت الكتب المصفوفة كتابيا text و الكتب المصورة scanned و الإثنين عملا بشكل جيد و واضح ، إحدى مميزات التعامل مع كتب البي دي أف هو أنه يمكن تحويلها إلى كتب بصيغة الكندل مما يعني بأنه يمكن الاستفادة من خصائص القراءة الآلية و التحكم بحجم و شكل النص… و لكن مع الأسف عملية التحويل (من خلال تجربتي) لا تعمل بشكل جيد مع النصوص العربية إلى الآن ، ربما يتم تطوير ذلك الأمر مستقبلا ، و لكن مجرد كون الكندل يستطيع عرض كتب البي دي أف العربية هو تطور كبير و يتيح للمستخدم العربي من الاستفادة من آلاف الكتب العربية المنتشرة على الإنترنت حاليا.

يحتوي الكندل كذلك على متصفح بسيط للوب (بنسخة تجريبية كما يطلق عليها) ، و الجميل هو أن حتى المتصفح يقرأ النصوص العربية بشكل جيد… و إن كان الخط المستخدم قبيح قليلا.

ذلك هو الإنطباع الأولي الذي كونته بعد ساعات قليلة من استخدامي لجهاز الكندل الذي استلمته اليوم بعد انتظار 25 يوما من طلبي له ، حاولت من خلال هذا الموضوع أن أذكر على عجالة أهم ما شد انتباهي خلال تجربتي السريعة ، إن كان لديك سؤال أو استفسار فسأحاول الإجابة عنها إن شاء الله.

حساسية الحرية

أبدأ كلامي بقصة قد تكون شهيرة ذكرها لنا الدكتور غانم النجار في مادة رأي عام في جامعة الكويت قبل عدد من السنين لا أود ذكره 😀

حدثت القصة -كما أذكر- في الثمانينات بالأيام التي كان مجلس الأمة فيها منحلا و كان لا يمكن نشر أي كلمة في أي صحيفة كويتية قبل أن تمر على مقص الرقيب… يعني باختصار كما هو الحال في أغلب دول وطننا العربي الكبير ، يقول الدكتور غانم النجار بأن هذه القصة أو الحادثة…

تسببت في إشكال معقد مع الحكومة الهندية حين سمحت الرقابة بنشر لقاء صحفي لرئيسة وزراء باكستان بنازير بوتو، التي كانت في زيارة الى البلاد آنذاك وهاجمت فيه الحكومة الهندية، وعندما احتجت حكومة الهند انطلاقا من أن ما ينشر في صحافة الكويت يمثل وجهة نظر الحكومة بسبب وجود الرقيب، تم الاتفاق على زيارة ومؤتمر صحفي لوزير الطيران الهندي لنشر وجهة النظر الهندية، وفعلا جاء الوزير وعقد مؤتمره الصحفي إلا أن الرقابة عبثت باللقاء مما تسبب في تأزيم العلاقة مع الهند فكان موقفها بارداً إبان الغزو.

المغزى من القصة واضح ، في أي نظام يفتقر إلى مبدأ حرية التعبير فإن أي منشور مطبوع أو مرئي أو مسموع يمكن أن يفسر أوتوماتيكيا بأنه يمثل وجهة النظر الرسمية لهذا النظام ، فرأس النظام هنا هو من يقوم بدور الحاجب أو الـ Gate Keeper لأنه لا شيء يمر من هذه البوابة إلا بموافقته و مباركته المشكورة!

نحن اليوم في الكويت -و لله الحمد- تخلصنا من هذا الحاجب أو البواب ، فصحافتنا تتمتع بقدر عال من الحرية بشهادة العديد من الهيئات و المنظمات الدولية التي أقرت تقاريرها الأخيرة بأن الكويت بالفعل تمتلك أنصع سجل في مجال حرية التعبير من بين دول “المنطقة” ، صحيح بأن طريقنا ما زال طويلا لنكون في مصاف الدول السابقة لنا… و صحيح بأن العام الماضي شهد بعض الحوادث التي قد تهز مركزنا في تقارير العام القادم… و لكن لحد الآن مستورة و لله الحمد 🙂

طبعا نحن كشعب كويتي اعتدنا على مقدار الحرية الذي نمتلك ، فخلال الخمسون عاما الماضية استطعنا أن نرتقي سلم الحرية خطوة خطوة ، و من خلال التجربة و الخطأ أخذنا نتعلم أبجديات هذه الحرية و نفهم ما لنا و ما علينا و نستوعب كيف يمكن أن نعبر عن أنفسنا و كيف نقرأ تعبيرات الآخرين ، فنحن مستوعبون بأن ما تكتبه الجريدة الفلانية و راءه الجهة أو الشخصية الفلانية ، و ما تبثه القناة العلانية و راءه المنظمة العلانية ، كلما زادت ثقافتنا الإعلامية كلما قلت تعميماتنا و تنميطاتنا.

من عاش و لم يتمتع بمقدار الحرية و الاطلاع الذي تتمتع أنت فيه و لم يمر بتجاربك أو يتعلم منها على الأقل فلا تتوقع منه بأن يزن الأمور كما تزنها أنت ، فببساطة شديدة نحن نقول بأن “كل من يرى الناس بعين طبعه”… أي أن من تعود على العيش في بيئة لا يقرأ فيها و لا يشاهد و لا يسمع إلا رأي نظامه الرسمي -بشكل أو بآخر- فإنه يعتقد بأن كل ما تنشره وسائل إعلام الآخرين إنما يمثل شعوب الدول أو الأمم التي صدرت منها هذه الوسيلة أو تلك.

أكبر مثال على هذا الأمر هو ما حدث في عام 2006 حول قضية الرسوم الكارتونية “الدنماركية”! نشرت تلك الرسوم صحيفة كئيبة واحدة… فماذا كنا فاعلين؟ ألم ندعوا لمقاطعة شعب كامل بسبب موقف صحيفة قد لا يتعدى عدد العاملين فيها بعض عشرات أو مئات على أكبر تقدير؟ ظهرت أصوات تطالب “الحكومة” الدنمركية بالاعتذار و اتخاذ إجراءات “تأديبية” بحق تلك الصحيفة ، و رئيس الوزراء الدنمركي -يا عيني- بيعيط و يقول: “يا جماعة ما يصحش كده! احنا مالناش زنب! قوانيننا و دستورنا ما يسمحوش إن نعمل الحاجات دي… استيعابنا لمبدأ الحرية يختلف عن استيعابكم ، ما نقدرش ندعو السفير الهندي حتى يرد على كلام السفير الباكستاني!!!” وصلت الفكرة؟

نحن ككويتيين لا ندعي بأننا أفضل الناس و لا أكثرهم حرية (على الأقل مو كلنا) ، و لكننا وصلنا لمرحلة من الثقافة و الانفتاح بحيث أننا اعتدنا على أن ننتقد بعضنا و نناقش عيوبنا بكل صراحة ، نحن نعلم بأن بين صفوفنا الحرامي و الطماع و المنحل و الاستغلالي (من ذكر أو أنثى) ، نناقش قضايانا بحرية و ما نزعل من بعض وايد ، و إن حصل زعل فمحاكمنا و قضاؤنا ما يقصرون ، و ربما اعتيادنا على هذا الجو من الحرية جعلنا نؤمن بتعميمات عكسية! يعني أصبح حالنا كحال الدنمارك التي “ما سوت عليها” هالكم كاريكاتير اللي نشرتهم صحيفتها لأنها أخذت راحتها “بالحرية” و “الديموقراطية” أكثر من اللازم بشوي!

قانون صحافتنا عندما نص على عدم التعرض للدول “الشقيقة و الصديقة” لم يأت بهذا التخصيص عبطا! فالمشرع أدرى “بربعه” و يعرف بأن جماعتنا أعواد كبريت يحسبون كل صيحة عليهم! يدري بأن سياسة “الفزعة” ما زالت متأصلة في ربعنا (بل حتى فينا أيضا) ، و يدري بأن الانغلاق الثقافي منتشر حوالينا ، فأراد أن يجنبنا تبعات ما قد يأتينا من وراء ذلك الفكر الإنغلاقي.

وضعنا خلال هذه المرحلة الثقافية الخاصة التي نمر بها فريد و جديد علينا ، إنها تجربة جديدة في سجلنا.. و علينا أن نتعلم منها و نجتازها ، تعرضنا مؤخرا لهجوم “تعميمي” بسبب فهم بعض مؤسساتنا الإعلامية الخاص لمبدأ حرية التعبير ، و أنا شخصيا سعيد جدا بطريقة تعاملنا و استجابتنا حتى الآن ، غالبية مدوناتنا تعاملت مع الموقف بحكمة.. فأحقت الحق و وقفت ضد ما تراه خارجا عنه بكل شجاعة و بكل شفافية (أول و آخر مرة استخدم هالكلمة 😛 )، بل و حتى ردود أفعالنا على ردود الآخرين المندفعة علينا كانت في مجملها موزونة و تحرج حتى من حاول التطاول بتعميماته ، و إن كان هذا الأمر مؤشرا لشيء فهو دليل على وعي أكبر و مستقبل مليء بالتفاؤل بإذن الله.

لن تكون الحوادث الأخيرة آخر المطاف ، فنتوقع المزيد من المشاكل و القضايا مستقبلا… و الله يعينا و يبصرنا و يهدينا لما يحب و يرضى و يعلو بنا إلى كلمة سواء.

———–

ملاحظات:

– في حال كنت نائما في “جليب” أو أنك تقرأ هذا الموضوع كزائر من المستقبل فالحوادث المقصودة في هذا المقال هي قضية حلقات مسلسل “بو قتادة و بو نبيل” و التي -كما يُدّعى- تعرضت بالنقد لكلا من المملكة المغربية و دولة قطر.. الشقيقتين.

– أرجو أن لا يفهم على الإطلاق بأني في مقالي هذا أقوم “بتعميم” رأي تجاه الشعب المغربي أو القطري! أنا ضد هذا تماما كما هو باد و بوضوح من خلال سياق الموضوع ، يرجى قراءة المقال بعقل “منفتح” شوي ، إنما هذه الحوادث هي مجرد مثال على النقطة التي أود إيصالها.

– أبرز “الحوادث” التي حصلت خلال العام الماضي في الكويت و التي قد تؤثر على موقعها في سجلات حرية التعبير تتمثل في احتجاز كل من محمد عبدالقادر الجاسم و خالد الفضالة بقضايا يمكن أن تعتبر قضايا “رأي”.

– الدنمارك -على فكرة- تتصدر قائمة الدول في مجال حرية الصحافة حسب تقرير مراسلون بلا حدود.