أرشيف الوسم: خليج

مجلس التعاون الجديد و المقاومة الثقافية

من خلال رصد ردود الأفعال على خبر انضمام مملكتي الأردن و المغرب لمجلس التعاون لدول الخليج العربي عبر موقع تويتر لاحظت أن هناك نسبة كبيرة من المعترضين على هذا القرار/الفكرة متعللين بالأسباب التالية:‬ 

‫١- جغرافيا.. المملكتان الجديدتان لا تطلان على الخليج العربي. ‬
‫٢- جغرافيا أيضاً.. المغرب بعيدة عن بقية دول المجلس. ‬
‫٣- “عادات و تقاليد” و تراث المملكتين الجديدتين لا ينسجم مع بقية دول المجلس. ‬
‫٤- الأردن كان لها موقف مضاد للكويت أثناء الغزو. ‬
‫٥- المغرب فيها عدد كبير من اليهود و لها علاقات مع إسرائيل… و كذلك الأردن.‬
‫٦- الخوف على رجال الخليج من المغربيات و الأردنيات! (و هذا الرأي الظريف تدور حوله غالبية التويتات الساخرة)‬
‫٦- أن القرار/الفكرة جاء مفاجئا لمواطني الدول المعنية و تم دون أخذ رأيهم أو حتى تمهيد الأمر له.‬
‫ ٧- المجلس بتشكيلته الجديدة أصبح ناديا للممالك و الإمارات و السلطنات العربية. ‬

‫باستثناء النقطتين الأخيرتين أرى أن جميع الأسباب المذكورة واهية و لا ترتكز على قاعدة منطقية:‬

‫فهل حقا أن دول الخليج الحالية متطابقة اجتماعيا و تاريخيا أو حتى سياسيا؟ لو كانت كذلك لما أصبحت ولا ظلت تلك الدول الست ستاً إلى اليوم! الأردن على الأقل ذو نظام قبلي مرتبط ببقية دول الخليج و متداخل معها ، كما أن العائلة المالكة فيه إنما هي من الجزيرة العربية أصلا ، و المجتمع المغربي كذلك -رغم قلة معلوماتي عنه- يتمتع بنسيج قبلي ممتد كما هو حال منطقة شمال أفريقيا قاطبة ، ثقافيا جميع دول المجلس القديمة و الجديدة متقاربة بالعادات و التقاليد الشرقية و حتى بلبس الدشداشة أو الثوب أو الدرّاعة 🙂 نعم اللهجات تختلف… كما تختلف لهجة أهل شرق عن لهجة أهل دبي ، بعض العادات تختلف… كما تختلف عادات أهل مكة عن عادات أهل الدوحة ، و حتى المذاهب الدينية تختلف كما يختلف مذهب أهل المحرق عن مذهب أهل ظفار ، المغرب فيها يهود؟ دول الخليج فيها هنود! و فيها مسيحيين و هندوس و سيخ و ما لا يعلم به غير الله من ديانات و ملل.‬

‫أولى الدول التي كان الحديث يدور حول انضمامها للمجلس كانت العراق و من بعد ذلك اليمن (و قد دخلتا بالفعل من خلال كأس الخليج مؤخرا) ، العائق الأكبر حول انضمام هاتين الدولتين كان النظام السياسي ، فبخلاف الدول الست الاصلية النظام بالعراق و اليمن لا يمكن ضمانه… و هذا الأمر أثبته و مازال يثبته التاريخ ، فصديق اليوم كان عدو الأمس ، و عدو الأمس كان صديق قبل أمس… وهلم جرا ، و النظام السياسي الملكي/الإماري/السلطاني بالإضافة لثباته فإنه يفرض كذلك علاقة خاصة بين الحاكم و المحكوم مرتبطة ارتباطا وثيقا بطبيعة المجتمع القبلية… ذلك أمر طبيعي و عاشت في ظله شعوب المنطقة لقرون طويلة و يستحيل تغييره خلال سنين أو حتى عشرات من السنين.‬

مسألة الرفض الشعبي لقرار/فكرة الانضمام ليست قائمة على الاجتماع و لا السياسة… و بالتأكيد ليست قائمة على الجغرافيا (دول حلف شمال الأطلسي ليست جميعها تطل على المحيط الأطلسي! و قبرص بعيدة نسبيا عن بقية دول الاتحاد الأوربي) ، بل الحاجز القائم هو حاجز ثقافي بالدرجة الأولى ، ‬فلثلاثين عاما كان الخليجيون يغنون على دولهم و شيوخم الست و يرسمون أعلامهم مترابطة ببعض ، حتى سيميائية إعلاميات المجلس تمثل دوله على شكل كتلة مترابطة و تستخدم رموزا دالة على البيئة الخليجية كمراكب الخليج الشراعية أو الصقر أو البحر أو الصحراء ، الخريطة -والتي يستند عليها أصحاب رأي الترابط الجغرافي- هي جزء من شعار المجلس و بعض أهم لجانه ، تلك السيميائيات و الرموز الثقافية دخلت في عمق النسيج الخليجي طوال السنوات الثلاثين الماضية و تغلغلت فيه بشكل يجعله يقاوم أي تغيير يطرأ عليها بغض النظر عن مسألة الأهمية أو المصلحة في ذلك التغيير… تلك هي طبيعة النفس الإنسانية و طبيعة “الثقافة” بحد ذاتها.

أذكر أنه بعد دورة الخليج الأخيرة و التي أقيمت في اليمن و من خلال برنامج تلفزيوني قدم على قناة دبي الرياضية تمت استضافة مجموعة من الفنانين في احتفالية بمناسبة انتهاء الدورة و فوز الكويت بها ، أحد ضيوف البرنامج كانت الفنانة منى شداد (بالإضافة لطارق العلي و عبدالله بالخير و غيرهم) و التي غنت بمصاحبة الفرقة الغنائية أغنية “لا دار لا هنتي ولا هان راعيك” ، مشكلة هذه الأغنية هي أنه يذكر فيها لقب “أبو فيصل” ، و هي أغنية دينامكية و يمكن تغيير كلماتها و محتواها حسب الحاجة أو الزمن أو الوضع السياسي ، فالفنانة منى غيرتها و أضافت لها ألقاب الحكام الحاليين كـ”أبو ناصر” و “أبو متعب” و “أبو سلطان”… الخ ، لكن الفنانة منى شداد “توهقت” في أمرين: أولا، في السلطان قابوس و الذي ذكرت اسمه دون لقب لأن ليس له أبناء ، و ثانيا في حكام العراق و اليمن و الذين “نقفتهم” من لأغنية من الأساس! و أشك أنها تعرف أسماء الأبناء الكبار لجلال الدين طالباني و علي عبدالله الصالح أصلا!! (أنا شخصيا لا أعرف.. هل تعرفهما أنت؟) تذكر اسم الأبناء الكبار للملك عبدالله (أبو حسين) و الملك محمد (أبو حسن) بالتأكيد سيكون أسهل… و لكن إدخال هاذين اللقبين بالأغنية سيحتاج إلى جهد بسبب الممناعة أو المقاومة الثقافية الناتجة عن تأصل فكرة أن دول المجلس ست… و تطل على الخليج العربي ، و الثقافة دائما أمر معقد و يصعب تغييره و إن كان ليس مستحيلا.

جانب من الممناعة الثقافية يأخذ شكلا سلميا و لا يلبث أن يتبدد تدريجيا ، فطبيعة النفس البشرية تقاوم التغيير بشكل طبيعي و تخاف من المجهول كوسيلة بدائية للدفاع عن النفس ، و لكن هناك دائما الممانعة العنيفة… و ليس بالضرورة أن يكون العنف جسديا أو ماديا ، تتبع آراء الناس على تويتر يبين لنا آثار تلك الممانعة العنيفة بشكل لفظي واضح ، فالأردنيين “زلمات” لا نريدهم بيننا! و المغاربة “سحرة” و بناتهم “فاتنات” لشبابنا … و العياذ بالله!! و الرأي من الجهة الأخري قد لا يختلف كثيرا ، فشباب الخليج “مترفون” و “صيّع” و أهله قد “أفسقتهم” ثروتهم البترولية التي لم يتعبوا في تحصيلها! و طبعا نجد بعض الخليجيين خائفين من اقتسام “كيكتهم” و من مشاركة “الغريب” لهم فيها ، “طبعا… فالأردنيين و المغاربة هم من سيستفيد من ثروتنا و يطمع فيها ، أنظر لهم ما أكثرهم! سيغرقون دولنا برعاياهم و ينافسوننا على لقمتنا! سيأكلون خيراتنا (و يسرقون رجالنا)! لا نريدهم و لا نريد قربهم… نحن “زينين” دون دخولهم لمجلسنا.” و هكذا ترتفع الحواجز و الأسوار التي لا ننفك نبنيها و نعليها حولنا ، هي أسوار ثقافية بالدرجة الأولى ، أسوار تلقي بظلالها علينا و تغشي عيوننا و تمنعنا من معرفة إلى أين يؤدي مسارنا.

بعد هذا الكلام… هل أنا إذا أؤيد انضمام الأردن و المغرب لمجلس التعاون؟ أليست فكرة الضم هذه مؤامرة من الحكام على الشعوب؟ أليس في طريقة اتخاذ هذا القرار استخفاف بتلك الشعوب؟ و هل هناك حقا فائدة حقيقية ترتجى من هذا الانضمام؟

هذه الأسئلة لا تهمني هنا و ليس لها علاقة بهذا الموضوع من الأساس! لندع أمور السياسة لأهل السياسة و أمور الاقتصاد لأهل الاقتصاد.. فهم من يستطيعون الإجابة على تلك التساؤلات ، و لكني شخصيا قبل أن أستطيع أن أكون رأيا سياسيا حول هذا الموضوع يجب أن أزيل عن رأسي الغبار الثقافي الذي تراكم عليه خلال الثلاثون عاما الماضية ، يجب أن أفرق بين المصلحة الحقيقية و بين الحواجز النفسية التي تحول دون تحقيق تلك المصلحة ، و أفرق بين رأي من يتكلم في إنطلاقا من المنطق و العقل و من منطقه يقبع تحت ظلال الأسوار الثقافية التي بناها حول نفسه ، موضوعي ليس سياسيا و لا اقتصاديا ، و لكنه مدخل ثقافي للمسألة… و الثقافة هي القاعدة المؤسسة للشعوب و الوقود المحرك لها ، لن نستطيع أن نبني رأيا صائبا ولا قرارا حكيما إن ظللنا نردد نفس الكلام الذي كنا و مازلنا نسمعه من ثلاثين عاما دون أن ندرك بأننا لسنا من يتحدث… و أنما ألسنتنا (و أصابعنا) قد تبرمجت على ما اعتادت سماعه بأن المجلس هو عبارة عن ست دول تطلع على الخليج العربي! لننسى التعريف الذي تعلمناه في كتب الاجتماعيات قليلا… و لنحاول هدم السور و بناء رأي حر جديد تحت ضوء الشمس و مهب الريح.

Jehan Rajab’s Invasion Kuwait: An insider’s look at the Iraqi occupation of Kuwait

Many books has been written about the Iraqi invasion of Kuwait in 1990 and the Gulf War of 1991 from a political or military perspective, such as Mohammed Heikal’s, but few are written as humanistic memoir of how life was within occupied Kuwait or about the struggling and frustration the occupation caused to the people living in Kuwait during that period, especially in English.

Jehan Rajab, the author of the book Invasion Kuwait: an English Woman’s Tale, was born in Brazil, educated in Gibraltar and Britain and lived in Kuwait for over 30 years before publishing her book. She is married to the Kuwaiti artist and art collector Tareq Rajab and worked in the management of the Tareq Rajab Museum and as the director of the New English School in Kuwait. Having lived in Kuwait for a long period of time, and stayed for the whole period of the Iraqi occupation inside Kuwait, she managed in her book to present a view on the events of the Iraqi occupation from an ‘insider’s‘ perspective that is significantly different from Heikal’s, a perspective that could be called a ‘Kuwaiti’ perspective.

Rajab didn’t just live the occupation from the inside; she, as I will demonstrate, understood the cultural impact of that occupation and expressed it in an insider’s manner. Rajab, for instance, understood the Arabic language, and in her book she dedicated pages of glossary to explain the Arabic terms she used in her book. What is more significant than the linguistic knowledge is that she is aware of the cultural background of that language. As an example of how she understands that Arabic language/culture one can refer to her explanation of the Arabic word ‘Dhuif’ when she talked about how Saddam Hussein referred to the westerner hostages he held during the first five months of the occupation as ‘guests’ (Dhuif). Rajab explains the sarcasm in the use of that Arabic word by saying Dhuif, the Arabic word for guests, who were so honoured in the Arab world, now had different and less pleasant connotations.‘[1. 1 Jehan Rajab, Invasion Kuwait: An English woma’s tale, London, 1996, p. 61] By that explanation Rajab is trying to show Saddam Hussein manipulating the horrifying concept of hostage holding by processing the word ‘hostage’ through his propaganda and making it sound less threatening by replacing it with the word ‘guest’. ‘Guest’, which is in the Arabic culture, since Arabs are the main target of his propaganda, is a meaning that has a great honorary status reminiscent of the old Arab traditions glorified by the stories of the like of Hatam Al Taee, the seventh century Arab poet who legends tells of how he used to slaughter 10 camels every night to feed his guests.

In Rajab’s narration, unlike Heikal’s, the main theme of the book is the hardship of living the everyday life in Kuwait during the occupation. Be that hardship originating from the fear of being killed or kidnapped, fear of being looted, or hardship from the lack of food, services such as electricity, water and rubbish disposal, or lack of reliable sources of information. All of which are matters Heikal did not mention in his book. In Rajab’s narration we find the Iraqis portrayed as the occupiers, and the Allied Forces as the liberators who are here to help the oppressed Kuwaitis, unlike Heikal’s narration of the war being the final result of a long global political and economic dispute over the Arabian oil, lead by the United States against the Iraqi power. In the book she talks about the damage Kuwaiti hospitals suffered and how that affected  health services in Kuwait to the extent that when she got ill, and when her son suffered an injury, they preferred to stay at home instead of going to the hospital knowing that there is not much help to be found there [2. Ibid., pp. 139-40]. She talks about how ‘while peace activities were calling for one more chance for “peace”, the people of Kuwait were each allowed five small flaps of bread a day [while staying in queues] at the main bakery once or twice a day — queues that curled like some grey fearsome snake round and round and round the block again. In the end there was no bread at all.‘ [3. Ibid., p. 90]

Invasion Kuwait by Jehan Rajab on Amazon.co.uk

Those scenes of hardship and terror are not to be found in Heikal’s book or in the majority of books published about the ‘Gulf War’. Most of the books consider the ‘War’ itself, the 1991 war, as the main event; everything else is either a preparation to that war or a consequence of it. Rajab’s book on the other hand is not titled War Kuwait, but speakingly Invasion Kuwait, since the main events it describe starts from the 2nd of August 1990 and ends on the 26th of February 1991, events which took place mainly within the borders of Kuwait, anything out of this time and place is considered marginal.

The politics and military preparations which Heikal wrote about in so much detail and were treated by him as the core of this war were looked at by Rajab as a waste of time. She expressed how desperate Kuwaitis were with the delay of action against the Iraqi forces by saying things like ‘Everyone felt that the Allied Forces in Saudi Arabia were being built up too slowly.‘ and ‘we all longed to see an American marine or desert rat coming up the street‘ [4. Ibid., p. 132]. There were numerous visits to Baghdad by politicians and peace activists in order to convince Saddam Hussein to withdraw from Kuwait and prevent the war, Rajab believed that those visits were used by the Iraqis ‘as a way of playing of time.‘ [5. Ibid., p. 141] She expresses the feeling of Kuwaitis towards the idea of the use of force to expel the invading forces by saying ‘While killing and war were the last things anyone in Kuwait wanted, we wondered if words of peace were much use to the Iraqis, who had such different intentions. We also wondered of how these activists might have felt had they been in our position, expecting every day to die from possible starvation, torture or plain murder. Did they really feel that the probable death of over 250,000 people was just a small matter? We did not particularly want to be a sacrifice to the idea of peace.‘[6. Ibid., p. 64]

Rajab in her book presents the missing voice of the Kuwaiti perspective of what is called the Gulf War. She presents the human voice, not the usual political, economic or military voices we are used to hear in the literature written about this ‘War’.

حرب الخليج و محمد هيكل


محمد حسنين هيكل، حرب الخليج: أوهام القوة و النصر، القاهرة، ١٩٩٢

إن كان هناك ما أنقذ هذا الكتاب فهما أمران: بداية غزارة المعلومات التاريخية التي يحتويها ، ثم أسلوب هيكل السلس في صياغة هذه المعلومات و سردها بشكل سهل و فيه نوع من الترابط ، بالطبع فإن ما ساعد على هذين الأمرين هو خبرة الكاتب في مجال الكتابة الصحفية الموجهة بالغالب لعامة القراء ، والكتابة البسيطة لعامة القراء هي سلاح ذو حدين ، فهي شعبية و تجذب قراء من كل المستويات الثقافية ، و من ناحية أخرى قد تكون بسيطة أكثر من اللازم لتقترب من السطحية أو حتى السذاجة في بعض الأحيان!

غول البترول

كل مشاكل العالم في نظر هيكل سببها الغول القامع في قمقم منابع “البترول” ، فالبترول -بنظر هيكل- هو ما بنى أمريكا و جيش جيوشها و حرك تلك الجيوش ، و البترول في نفس الوقت هو سبب كل مشاكل العرب ، بل إن ما سبب البترول من مشاكل ومطامع طال حتى الإتحاد السوفييتي (رغم أننا نعرف اليوم أن روسيا تملك واحدا من أكبر احتياطيات البترول بالعالم).

دور البترول كقوة اقتصادية مؤثرة هو أمر لا يمكن إنكاره ، لكن مهما كانت أهميته لا يمكن أن يكون هو ذلك السبب الرئيسي بالشكل الذي صوره هيكل مغفلا أو متغافلا عن العوامل الأخرى المؤثرة كالعوامل الثقافية و الاجتماعية و التي و إن كان هيكل قد تطرق لها فإن طرحه صورها لا كعوامل أساسية بقدر ما كان استشهاده تأكيدا على نظريته البترولية! فالثقافة بترولية و المجتمع بترولي و السياسة بترولية و التاريخ بترولي بنظر هيكل.

تاريخ مسطح

و بالحديث عن التاريخ نجد أن الكاتب رغم غزارة معلوماته سطّح بعض الحقائق التاريخية و صاغها بما يناسب طرحه و هذه واحدة من أكبر المآخذ على هذا الكتاب ، فقضية الحدود العراقية الكويتية السعودية -على سبيل المثال- و هي واحدة من أعقد المسائل التاريخية قد اختصرها هيكل بأنها ناتجة عن خط رسمه “كوكس” على الخريطة في لحظة غضب و أن هذه الحدود لم تكن موجودة من الأساس بسبب الطبيعة “البدوية” لسكان هذه المنطقة التي كانت تتنقل بين بحار الرمال! و اختصر هيكل كذلك العلاقة السياسية و الدبلوماسية المعقدة بين الكويت و بريطانيا و الدولة العثمانية مصورا اتفاقية الحماية التي وقعت بين الكويت و بريطانيا و كأنها مؤامرة استعمارية تهافتت عليها بريطانيا لتسيطر على المنطقة و تهزم الخلافة العثمانية… بينما الواقع التاريخي يوضح بأن هذه المعاهدة لم توقع إلا بعد معركة دبلوماسية بين الأطراف الثلاث نتج عنها اتفاقية كانت بالأساس سرية لعدم رغبة بريطانيا لأن تكون طرفا في هذه المسألة من الأساس!

الطرح التاريخي المتعلق بالخليج و الكويت من ما يذكره هيكل كحقائق تاريخية هي بالواقع تنم عن نظرة بها نوع من “الاستشراق” الداخلي تصور منطقة الخليج على أنها مشايخ قبليّة رجعية بشكل أو بآخر ، و نحن هنا لا نقول بأن هذا الأمر غير صحيح أو حتى بأنه “عيب” يجب الخجل منه! و لكن ما أحاول قوله بأن طريقة عرض هيكل له قدمت بشكل نمطي و غير منصف إن صح التعبير.

إغفال اللب

إضافة لذلك ، و استكمالا للنظرة البترولية الهيكلية ، نجد الكاتب قد انجرف بتصوير حرب الخليج و كأنها حرب مصالح بين أمريكا و العراق… و له في ذلك مبرراته ، و لكن طرحه هذا كان فيه تجاهل واضح للجانب الإنساني من القضية ، و مرة أخرى نحن هنا لا ننكر دور “المصالح” التي حركت أطراف هذه الحرب… و لكن التركيز على مبدأ “التمصلح” أو “التمصلح البترولي” على وجه أدق أدى بهيكل لأن يغفل حقيقة الدافع الإنساني الذي حرك الشعوب لمساندة قضية الكويت و الحشد لهذه الحرب ، فمرور هيكل كان لا يتجاوز التلميح لما ارتكبته القوات العراقية في الكويت من جرائم إنسانية .. بل أدنى حتى من التلميح إن لم يبذل القارئ جهدا في استخلاص ذلك من كلام هيكل! فهو تناول كل ما حدث حول الكويت قبل الغزو و أثناءه و بعده (و ربما على عجالة لأميرها و حكومتها في المنفى) و تناسى ما حدث فيها و على أرضها و لشعبها رغم أن ذلك من المفروض أن يكون هو الأساس الذي قامت الحرب لأجله! و لكن يبدو أن هيكل تجاهل ذلك لأن فيه إضعاف لنظريته التي تعتبر المنطقة بترولا تحت رمال يرقد فوقها شيوخ القبائل قبل أن تكون شعبا و تاريخا و ثقافة… و تلك هي النظرة الإستشراقية التي اعتدنا عليها من الغرب.. و من أغلب العرب.

إضافة لذلك نجد بأنه حسب طرح هيكل لمجريات الحرب (وهي من المفترض بأنها حرب “تحرير الكويت“) نجده نسى تمام الهدف الأساسي (على الأقل المعلن) منها حتى أنه لينهي الفصل العاشر المعنون بـ”عاصفة الصحراء” صراحة بأن هدف الحرب تحقق بتدمير “الامكانيات العراقية” … دون حتى الإشارة إلى “هدف” تحرير الكويت من القوات العراقية الغازية!

هل أنصح بقراءة الكتاب؟

نعم..

بالنهاية فإن الكتاب بشكل عام يعتبر مصدرا تاريخيا غنيا ليس فقط بما يتعلق بحرب الخليج (أو حرب تحرير الكويت) بل بتاريخ المنطقة الحديث منذ بداية القرن العشرين و حتى العقد التاسع منه لا سيما لفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية (بغض النظر عن بعض التسطيحات المقصودة أو غير المقصودة كما ذكرنا أعلاه) ، كما أن الكتاب سهل القراءة كما ذكرنا سابقا رغم أنه يحوي أكثر من 630 صفحة ، و لكن يجب التعامل معه بحذر و قراءته قراءة نقدية لا تسلّم بكل ما ورد به على أنه هو الحقيقة الكاملة و الشاملة لحرب الخليج و “حروب البترول” كما أسماها الكاتب ، فهناك دائماً صورة أكبر و دوافع أعمق من البترول المجرد و مصالحه.

قد يوافق هذا الكتاب هوى الكثير العرب و بعض الأجانب لأنه يؤكد صورة نمطية تكونت لديهم خلال سنين طويلة ، كما أنه قدم رأيا مختلفا (أو كان مختلفا وقتها) عما كان شائعا عن الحرب عبر الإعلام و الأحداث السياسية المعاصرة للحرب ، و لكن ذلك لا يكفي اليوم و بعد عشرين عاما (أو أكثر) من انتهاء أحداثها ، فكلام هيكل و الفكرة العامة لنظريته (والتي لا زلت لا أختلف معها من حيث المبدأ) أصبحت اليوم شائعة و معروفة خاصة بعد حرب الخليج الثالثة (2003) ، و الخطر الكامن هنا هو بانقلاب حالة المعرفة العامة ليصبح كلام هيكل الذي كان ردا على حالة معرفية شائعة هو الأساس المؤكد بينما حقائق التسعينات و ما قبلها المخالفة له هي الأمر الشاذ! بمعنى آخر على القارئ عندما يقرأهذا الكتاب أن يضع باعتباره أنه كتب عام 1992 ، فإن كان القارئ عاصر ذلك التاريخ و ما قبله فإنه سيكون مكملا لما عاصره… أما إن لم يعاصر ذلك التاريخ فعليه أن يتذكر بأن هذا الكتاب يمثل وجها واحدا فقط للحقيقة… و التاريخ دائما متعدد الأوجه!

———–
تحديث:

إن كنت تبحث عن نقد مطول و أكثر “شراسة” للكتاب يمكنك الرجوع لكتاب “محمد حسنين هيكل و أوهامه عن القوة و النصر: حقائق حرب الخليج” لحنفي المحلاوي ، في هذا الكتاب يفند الكاتب مستعينا بكتابات كل من محمد جلال كشك و عبد العظيم ومضان العديد من المعلومات التاريخية التي صاغها هيكل في كتابه و يبين كيفية تلاعب هيكل بالألفاظ لتقديم صورة للقارئ قد تخالف ما هو حاصل بالواقع.

نجد في كتاب المحلاوي نقدا لاذعا لهيكل و اتهاما له بالكتابة مرتديا “الجزمة البعثية” كما يقول الانجليز! و يذكر بأن هناك تحيز واضح من هيكل نحو وجهة النظر العراقية و يستدل على ذلك بإنكاره للسبب الحقيقي للحرب و بتصويرها على أنها حرب عدوان على العراق و بأن هذه الحرب تفتقر للشرعية دون أدنى إشارة إلى كون العدوان العراقي على الكويت قد نسف كل أسس الشرعية من جذورها و صوره (تلميحا) كأنه حركة طبيعية استرد بها العراق الجزء السليب الذي اقتطعه منه الإستعمار الانجليزي.

من ناحية أخرى يعرض الكاتب اختلافات جذرية بين النسخة الإنجليزية من الكتاب (وهي التي طبعت أولا) و بين النسخة العربية ، و يتهم هيكل بأنه تلاعب في بعض الجمل و الألفاظ و زاد أو أنقص بعضها بحيث خرجت النسخة الانجليزية منه أشد قسوة على النظام المصري و أكثر دعما للنظام الأردني من النسخة العربية بحيث يكون الكتاب أكثر صلاحية للاستهلاك المصري ، كما يوضح أغلاطا جلية في بعض المعلومات التي أوردها الكتاب و التي أوقعت الإعلام المصري في حرج كحادثة تكذيب جمهورية أفريقيا الوسطى لمعلومة مشاركتها في حرب الخليج و إرسالها قوات للقاهرة طمعا في المساعدات المالية كما يدعي هيكل!

النقد في هذا الكتاب لاذع و شديد و لكنه في أحيان كثيرة يثري معلومات القارئ و يبين له على الأقل وجود وجهة نظر مختلفة و ينبهه على أن لا يأخذ بالمعلومة دون تحقق… حتى لو كان مصدرها محمد حسنين هيكل بجلالة قدره.

جزيرة الثقافة

guggenhiem

الصورة أعلاه ليست مقتطفة من فلم جديد من أفلام الخيال العلمي.. و إن كانت تمثل شيئا لم نكن لنراه إلا بالأحلام !

هذا الشكل الغريب هو نموذج مصغر لمشروع فرع متحف الغوغنهايم الجديد.

متحف الغوغنهايم يعتبر واحدا من أهم متاحف الفن الحديث بالعالم ، أنشأ سنة 1937 في نيويورك تحت مسمى “متحف الرسوم غير الموضوعية” (The Museum of Non-Objective Painting) إشارة إلى المدارس الفنية الحديثة التي كانت في أوجها في ذلك الوقت ، و قد افتتحت لهذا المتحف عدة فروع في مناطق مختلفة في عدة دول مثل إيطاليا و إسبانيا و ألمانيا ، و حاليا جاري العمل لإنشاء فرع في المكسيك و فرع آخر -الذي نراه بالصورة- و الذي من المتوقع الانتهاء منه عام 2009 و الذي سيكون أكبر فرع من فروع هذا المتحف العالمي مساحة.

إلى الآن الأمر طبيعي..

هذا المتحف سيكون جزءا من مشروع ثقافي ضخم ستبلغ تكلفته 27 مليار دولار!

و إلى الآن الأمر طبيعي..

سيتم إنشاء هذا المشروع -و الذي سيضم بالإضافة إلى متحف الجوجنهايم متحفا آخر للفنون الكلاسيكية (قد يكون اللوفر) و متحفا للتراث المحلي و مسرحا ضخما و متحفا بحريا و كلية للفنون- في جزيرة ، و من المتوقع أن تكون هذه الجزيرة قبلة عالمية للسياحة الثقافية.

و أيضا إلى الآن الأمر طبيعي..

و لكن.. أهم ما في الأمر.. هو أن تلك الجزيرة هي…

جزيرة “السعديات” في إمارة أبوظبي في دولة الإمارات العربية المتحدة 🙂

تشرف على هذا المشروع الثقافي العملاق شركة التطوير و الاستثمار السياحي في أبوظبي ، و قد قام بالتصميم المعماري لمباني هذا المشروع مجموعة من أكبر المصممين المعماريين العالممين.

شيء يدعوا للفخر و يبعث الاطمئنان عندما نعلم بأن مشاريعا المستقبلية الضخمة القادمة ليست جميعها مولات و مجمعات سكنية ، فبالتوفيق يا أبوظبي.

المزيد من المعلومات و الصور موجودة هنا و هنا.