أرشيف الوسم: فن

صورة النائب

خليفة القطان، العضو المنتخب، ١٩٦٥
اللوحة أعلاه هي بعنوان “العضو المنتخب” وهي من أعمال الفنان الكويتي الراحل خليفة القطان [1. خليفة القطان والنظرية الدائرية هو موضوع رسالة دكتوراتي] من عام ١٩٦٥، اللوحة تمثل رأي القطان الصريح – وربما شديد القسوة – ببعض الساسة من مرشحي مجلس الأمة الكويتي، نشاهد بالجانب السفلي منها هؤلاء المرشحين في فترة الانتخابات وهم يتمسكنون للناخب ويبدون له وكأنهم حملان بريئة وديعة، ثم بالقسم العلوي نشاهد النائب بعد أن فاز بعضوية المجلس وهو يعطي الناخب الـ”ثمبز داون” والكشرة تشق فاه وكأنه يقول له: “عليك واحد!“.

خليفة القطان، العق لتصل، ١٩٦٧

في هذه اللوحة نجد خليفة القطان يقدم لنا مخلوقا مشابه للمخلوقات في الصورة السابقة وإن كان يبدو أكثر وحشية، نشاهده هنا مستعد للعق أقدام الناخبين في سبيل صعود السلم الأخضر.

هاتين اللوحتين تعتبران مثالين على ما يطلق عليه اسم مرحلة نضج النظرية الدائرية (السيركلزم Circulism) التي قدم خلالها خليفة القطان أجرأ أعماله الناقدة للمجتمع الكويتي خلال فترة ما بعد الاستقلال، وهي ذات الفترة التي شهدت الانتعاش الاقتصادي للدولة وشعبها… وفي نفس الوقت فترة تبدل قيم ومفاهيم ذلك الشعب بسبب ذلك الانتعاش الاقتصادي وما صاحبه من تغيرات اجتماعية.

تذكرت هاتين اللوحتين بعد أن قرأت مؤخرا مقالا للأخ مطقوق في مدونته بعنوان إنردها والذي أقتبس منه هذه الفقرة:

… أنا أجد شعار إنردها أو لنعيدها كما كانت شعارات تلعب على الوتر النوستلجي عند الناخبين , النوستلجيا هي الحنين الى الماضي و الإعتقاد بأنه كان أفضل من الحاضر , و هذا شعور مزيف على العموم , فعن أي ماضي افضل يريدون أن يرجعونا ؟

هل هي فترة الستينيات ؟ ألا يعلمون بأن المجلس الأول كان في 63 و بعده بسنة حصلت الأزمة الوزارية التي كشفت عورة المجلس و الديموقراطية و جعلت رئيس المجلس يستقيل كفرا منه بالمجلس و نوابه الذي لم يكونوا أكثر من شخشيخة بيد هذا الشيخ او ذاك ؟ ألم يسمعوا عن تزوير الإنتخابات في 67 ؟ إنردها حق شنو ؟

هنا نجد بأن خليفة القطان بنظرته المحللة للمجتمع الذي عايشه قد استشف حالة التخلف الاجتماعي/السياسي التي عاشها المجتمع الكويتي وقدم لنا توثيقا فنيا راقيا لتلك الحالة.

[quicktime]http://www.moayad.com/p/taasese.mp4[/quicktime]

يا شيخ!

في مقطع الفيديو الشهير أعلاه نستمع للدكتور أحمد الخطيب متحدثا عن مرحلة بدايات الديموقراطية في الكويت (وهو أحد المعاصرين لتلك المرحلة)، يذكر لنا في هذا الجزء حادثة طريفة حدثت بعد إتمام الانتخابات الأولى للمجلس التأسيسي تتلخص بأن بعض النواب (لجهلهم بأصول الديموقراطية) وفي أول اجتماع لهم اصطفوا من أجل السلام على “زملائهم” الوزراء وتقبيل خشومهم.. لكونهم “شيوخا” طبعا!!

فهل تطورت الديموقراطية منذ ذلك الوقت وتغير المجتمع بشكل متماش مع ذلك التطور؟

صورة الشيخ نعم تغيرت، التقدير الاجتماعي للشيخ في مجتمعنا القبلي ما يزال قائما، لكن سياسيا زالت رهبة المشيخة، فأصبح الشيخ يعامل كأي مواطن عادي يؤدي وظيفته، حتى رئيس الوزراء صار ينتقد ويحاسب بل ويهتف ضده حتى في الشارع، وقس على ذلك حالة بقية الشيوخ في كافة المناصب الحكومية والأهلية.

هل معنى ذلك أن ديموقراطيتنا اكتملت؟

مو لهالدرجة 🙂

لا نستانس كثيرا بتجمعاتنا الإرادية ولعلعتنا بالصحف والدواوين والمدونات وتويتر، فرغم أن هناك أمورا تغيرت للأفضل منذ الستينات إلى الآن إلا أن هنالك أمورا مازالت على حالها… وأخرى سارت للأسوأ!

الوطن، ١٧ يناير ٢٠١٢

يا نايب!

بينما صورة الشيخ السياسة اعتدلت في مجتمعنا.. نجد صورة النائب سارت في طريق مضاد! لسبب ما نجد أن النائب أو حتى المرشح لمجلس الأمة يرسم المجتمع حوله هالة تفوق حجمه الطبيعي بكثير.. سواء كانت هذه الهالة إيجابية أم سلبية، بمعنى آخر نجد من بيننا من يمجد النائب أو المرشح ويمنحه من الصفات والألقاب ما يثير غيرة مغنيي البوب! أصبحنا نرى بعض الشباب (بل وبعض الشياب أيضا) أصبحوا بمثابة المعجبين أو الـFan Boys لهذا النائب (أو المرشح) أو ذاك، بعضهم يزين “أفتاره” بصورهم وأسمائهم وآخر يتغنى بكلماتهم وأقاويلهم، أحدهم يسطر لهم الشعر تمجيدا وآخر ينشد في حبهم الأناشيد.

هل هذا التمجيد للنواب والمرشحين أمر طبيعي؟

كلا! إن كنا تعلمنا من التاريخ شيئا فهو أن “الحي يقلب“! بل أحيانا حتى الميت يقلب!! ألا يدرك أولئك المداحون والممجدون بأن ليس في السياسة صديق دائم ولا عدو دائم؟ وأن من يمدحون اليوم قد يذمون غدا، وأن من يهاجمون اليوم قد يتحسرون على أيامه غدا؟ تلك هي طبيعة السياسة في كل مكان وزمان وهي ليست منا ببعيد.

ألا يدرك أولئك المداحون والممجدون بأن نائب الأمة ما هو إلا موظف يؤدي وظيفة يأخذ عليها معاشا من الدولة… حاله حال شرطي المرور أو موظفة الملفات بالمستوصف؟ نائب الأمة ليس قائدا قوميا يسير خلفه الشعب في طريق الرفعة والسمو، وليس قائدا فكريا تخلد كلماته كنبراس ينير لنا الدروب، وليس نبيا مرسلا يشفي الأبرص والأكمه وتمطر له السماء وينشق له البحر والقمر! نحن من نعطي هؤلاء النواب “خبة” من أنفسهم ونحولهم إلى أسود ضارية حينا وأبقارا حلوبة في حين آخر… بالضبط مثل المخلوقات التي صورها لنا خليفة القطان! نحن من نقوم بنفخ هؤلاء النواب كما كنا ننفخ الشيوخ من قبل، بل حتى أن الشيوخ اليوم أصبحوا يفكرون بترشيح أنفسهم ليحصلوا على بعض المجد الذي يسبغه البعض على مرشحيهم ونوابهم! اليوم أصبحنا نحمل النواب على أكتافنا ونطوقهم بالورود… فأي من الشيوخ اليوم يحصله كتف يحمله؟

نواب على الأكتاف، نوع آخر من 'الفشيلة'؟

أرسلت قبل عام تقريبا مجموعة من التويتات إلى أحد النواب الكرام مخاطبا إياه حول موضوع دوره كنائب ودوري كمواطن والعلاقة بيننا كما بينها الدستور، أخبرته بأن الدستور أعطى القوة والسيادة لي أنا كمواطن وجعلني أنا مصدرا للسلطات جميعها.. أما أنت كنائب فلست سوى أداة من أدواتي التي أستعملها لممارسة سيادتي، أخبرته كذلك بأنه (هو وجميع النواب) ليس قائدا لي… فأنا كمواطن أقوده هو كنائب، وظيفته أن يمثلني ويعبر عن رأيي… لا أن يفرض علي رأيه أو أن يستغلني لتحقيق ما يريده هو، أخبرته كذلك بأني مواطن واع وأعرف ما هو دوري وما هو دوره وأني لن أسمح له بتجاوز هذا الدور باستئساده التغريدي المصطنع. طبعا نظرا للروح الديموقراطية العالية التي يتمتع بها الأخ الفاضل “كشت” بتويتاتي هذه كلها ولم يرد علي إلا عندما هنأته بمناسبة مرور شهر على إنشاء حسابه على تويتر ليشكرني ويدعو الله بأن يمد أعمارنا بالعمل الصالح!!

يعني ما ندعم أحدا من المرشحين؟

ما قلت جذي، إن كنا سندعم ونعمل فذلك يجب أن يكون دعما لفكر المرشح وليس لشخصه، بالوضع الديموقراطي الطبيعي فإن الناخبين يقدمون الدعم للحزب الذي يمثله المرشح وليس للمرشح بذاته، فالفكر العام للحزب هو الذي يعطي له الناخبون دعمهم، النائب كشخص مهما بلغت كاريزميته ومهما كان فلتة زمانه شعبيا فإنه لن يستطيع أن يعيش دور “القائد” لأنه لن يحيد أو “يقلب” على فكر حزبه الا في قرارات محدودة مثل حق الإجهاض أو حق حمل السلاح (كما هو حاصل في أمريكا).. أما التوجه الفكري العام فلن يستطيع التلون فيه كما يشاء من أجل استمالة هذه الفئة أو تلك الطائفة من المجتمع، بالتالي حتى المتطوعون للعمل في الحملات الانتخابية لؤلائك المرشحين ومن يدافعون عنهم في تويتر مثلا إنما يعملون لتوافق فكرهم مع فكر حزب ذلك المرشح وليس لأن ذلك المرشح “بطل” قومي يحمل على الأكتاف، الوضع عندنا في ظل عدم وجود قوانين تنظم العمل الحزبي جعل للأفراد عندنا قوة توازي قوة الأحزاب، فالنائب لديه فرق إعلامية ولديه كتاب بالصحف يكتبون عنه وعن أخباره بل وحتى قنوات فضائية تعمل له… كل ذلك دون حسيب أو رقيب… وهذا أمر غير طبيعي وله نتائج خطيرة.

اقلب الصورة

نحن بحاجة اليوم لكي نعيد صياغة الثقافة الكويتية بحيث نعيد نائب مجلس الأمة إلى حجمه الطبيعي، علينا أن ندرك ماهو دور هذا النائب وما هو دورنا نحن وفقا للدستور، قرأت قبل فترة مجموعة تويتات من أشخاص مختلفين تسأل عن ماهي الصفات الحميدة التي يجب أن يتصف بها النائب المثالي؟ أو تستعرض هذه الصفات بشكل يصور لنا هذا السوبرمان التقي الورع القوي الأمين عريض المنكبين شنكول الحرقات شلولخ الذي يستحق أن نعطيه صوتنا! إشدعوه؟! يجب أن ندرك بأن المرشح بنهاية الأمر إنسان.. وسياسي (بكل ما تمثله هذه الكلمة) ولا شيء أكثر من ذلك.. فلا تعطه أكبر من حجمه حتى لو كان ذاك المرشح صديقك أو حتى أباك! نحتاج كذلك لأن نبدأ التفكير جديا بتنظيم العمل الحزبي السليم بدل حالة السبهللة التي نعيشها حاليا.

البعض منا لديه ترسبات قبلية أو مذهبية أو طائفية تؤثر في اختياره لمرشحه… هؤلاء خارج الحسبة ولست أعنيهم في مقالي هذا لأنهم إلى الآن لم يصلوا للمستوى الثقافي اللازم لإدراك ما أقول في مقالي هذا.. ولأني لا أتحدث أصلا عن أسس اختيار المرشح بل عن تغيير صورة النائب، حديثي اليوم هو لمن يريد أن يرتقي بفكر هذا المجتمع للمرحلة الجديدة من الديموقراطية الكويتية، هؤلاء هم من يعتمد عليهم ومن آمل أن تصل لهم كلماتي، فهل وصلت لكم؟

Tintin تان تان

تان تان
شخصية تان تان تعتبر واحدة من أبرز الشخصيات البطولية التي أحببتها منذ الصغر ، بدأ حبي لهذه الشخصية من خلال قسم الكوميك في مجلة سعد و التي كنت أقرأها باستمرار في مكتبة المدرسة أيام الابتدائي ، و طبعا كان تان تان أحلى شي عندي بالمجلة وقتها 🙂 ، من أوائل القصص التي تابعتها من خلال مجلة سعد كانت قصة تان تان و كنز القرصان الأحمر ، للأسف الشديد لم أتمكن من متابعة القصة بالكامل في حينها ، على ما أذكر بأن الأخوة بالمجلة قرروا من كيفهم عدم الإستمرار بقصص تان تان و تحولوا إلى قصص آستركس… طبعا احنا يهال إشعرفنا!كانت القصص المنشورة في مجلة سعد تعتبر أول تعرفي على الشخصية بالعربي ، و لكن قبل ذلك كنت على اطلاع على الشخصية بالإنجليزي من خلال كتاب تان تان و بلاد الذهب الأسودو الذي كان موجودا في مكتبتنا و لست متأكدا إلى الآن إن كان من كتب أبي أو عمي ، طبعا أكثر ما كان يشد انتباهنا في هذه القصة هو ورود بعض الكلمات العربية فيها… و أكثرها شعبية كانت هذه الجملة :

حتى ميلو ينقد على الشيخ

عندما زرنا هولندا عام 1986 أصريت على شراء قصة تان تان و اكتشاف القمر من مكتبة الفندق ، طبعا كان هناك تردد بالبداية لأن القصة كانت باللغة الألمانية! و لكني أصريت و ألحيت و اشتريتها بالنهاية.. رغم إني لم أفهم كلمة مما كان مكتوبا بها… الصور كانت تعبر و الخيال كان حاضرا لترجمة النصوص ترجمة غير حرفية 🙂

خلال الثمانينات عرض تلفزيون الكويت حلقات تان تان الكرتونية مدبلجة للعربية ، كانت تلك الحلقات سحرية بالنسبة لي! تان تان… رسوم متحركة.. و بالعربي! جمال الدبلجة العربية لتان تان كان في كونها مترجمة من اللغة الفرنسية مباشرة و بالتالي احتفظ تان تان باسمه الفرنسي بدلا عن “تن تن” كما يسمى بالانجليزية ، و كذلك الكلب “ميلو” بدلا عن “سنوي” كما هو بالانجليزية.. فشكرا لمترجمي ذاك الزمان.


تان تان بالعربي

قبل بضع سنين قمت بشراء المجموعة الكاملة لحلقات تان تان على أقراص دي في دي ، و لكن للأسف خاب أملي عندما وجدتها مدبلجة باللهجة الأمريكية! بشكل عام إن كان لابد من الدبلجة للغة الانجليزية فأنا أفضل اللهجة البريطانية أكثر من الأمريكية.. فما بالك بتان تان الأوربي الأصل! كما أن الكرتون المدبلج للعربية هو الكارتون الأصلي الذي تم إنتاجه أواخر الخمسينات و بداية الستينات بينما الأمريكي فمنتج بين عامي 1991-1992.


تان تان باللهجة الأمريكية

تعتبر مغامرات تان تان إمتدادا لفن الإستشراق الأوربي و الإستشراق الحديث على وجه الخصوص ، فغالبية مغامرات تان تان تدور أحداثها في دول و مناطق بعيدة و غريبة على القارئ الأوربي ، فنجد تان تان (وهو صحفي بلجيكي على فكرة) يذهب في مغامرة على أرض التيبت تارة و في أمريكا اللاتينية تارة أخرى ، نجده في الإتحاد السوفييتي في إحدى مغامراته و بين مومياءات مصر في أخرى ، و طبعا تصل به مغامراته إلى القمر… و إلى أرض خيميخال العربية ، ليس بالضرورة أن يكون في تلك النظرة الإستشراقية إساءة لشعوب العالم التي يزورها تان تان ، فهو بالنهاية صحفي يبحث عن خيوط لحل ما جاء لأجله من قضايا ، و لكن طريقة تقديم المناطق الغريبة لا تخلو من عنصر التعميمات و الصور النمطية لتلك المناطق و شعوبها و ذلك أمر يعتبر طبيعيا في حينها و جاء نتيجة لأكثر من قرن من التراكمات الثقافية لأدب و فن الإستشراق ، جدير بالذكر أن مخترع شخصية تان تان هو الفنان البلجيكي هيرجي (أسمه الحقيقي هو جورجس ريمي) و نشرت قصصه خلال الفترة من الثلاثينات إلى السبعينات من القرن العشرين تقريبا ، أي من ما بعد الحرب العالمية الأولى و حتى أيام الحرب الباردة.

هذا العام بإذن الله سيطل علينا تان تان من جديد من خلال عمل سينمائي ضخم من إخراج المخرج العالمي ستيفن سبيلبيرغ ، الفلم سيقدم لنا تان تان لأول مرة بتقنية الأبعاد الثلاثية ، هو بالطبع ليس الفلم الأول لتان تان… و لكنه يمثل عودة له على الشاشة الفضية من بعد غيبة 39 سنة ، قصة الفلم الجديد ستحوي على قصص من ثلاث كتب… أحدها هو تان تان و جزيرة القرصان الأحمر التي حرمتني من متابعتها مجلة سعد 🙁


The Adventures of Tintin: Secret of the Unicorn – in 3D

من أحلامي (بعد مشاهدة الفلم الجديد) هي الحصول على هذه الكاميرا :

إصدار خاص من كاميرا لايكا مينيلوكس محفور عليها صورة تان تان ممسكا بكاميرا (يقال بأنها لايكا و أنها ظهرت في مغامرة تان تان في التيبت) مع صندوقها و شنطتها ، طبعا الحصول على هذه الكاميرا صعب لأنه لم ينتج منها إلا 200 نسخة في عام 1997… و لكن من يدري 🙂

حرب الخليج و محمد هيكل


محمد حسنين هيكل، حرب الخليج: أوهام القوة و النصر، القاهرة، ١٩٩٢

إن كان هناك ما أنقذ هذا الكتاب فهما أمران: بداية غزارة المعلومات التاريخية التي يحتويها ، ثم أسلوب هيكل السلس في صياغة هذه المعلومات و سردها بشكل سهل و فيه نوع من الترابط ، بالطبع فإن ما ساعد على هذين الأمرين هو خبرة الكاتب في مجال الكتابة الصحفية الموجهة بالغالب لعامة القراء ، والكتابة البسيطة لعامة القراء هي سلاح ذو حدين ، فهي شعبية و تجذب قراء من كل المستويات الثقافية ، و من ناحية أخرى قد تكون بسيطة أكثر من اللازم لتقترب من السطحية أو حتى السذاجة في بعض الأحيان!

غول البترول

كل مشاكل العالم في نظر هيكل سببها الغول القامع في قمقم منابع “البترول” ، فالبترول -بنظر هيكل- هو ما بنى أمريكا و جيش جيوشها و حرك تلك الجيوش ، و البترول في نفس الوقت هو سبب كل مشاكل العرب ، بل إن ما سبب البترول من مشاكل ومطامع طال حتى الإتحاد السوفييتي (رغم أننا نعرف اليوم أن روسيا تملك واحدا من أكبر احتياطيات البترول بالعالم).

دور البترول كقوة اقتصادية مؤثرة هو أمر لا يمكن إنكاره ، لكن مهما كانت أهميته لا يمكن أن يكون هو ذلك السبب الرئيسي بالشكل الذي صوره هيكل مغفلا أو متغافلا عن العوامل الأخرى المؤثرة كالعوامل الثقافية و الاجتماعية و التي و إن كان هيكل قد تطرق لها فإن طرحه صورها لا كعوامل أساسية بقدر ما كان استشهاده تأكيدا على نظريته البترولية! فالثقافة بترولية و المجتمع بترولي و السياسة بترولية و التاريخ بترولي بنظر هيكل.

تاريخ مسطح

و بالحديث عن التاريخ نجد أن الكاتب رغم غزارة معلوماته سطّح بعض الحقائق التاريخية و صاغها بما يناسب طرحه و هذه واحدة من أكبر المآخذ على هذا الكتاب ، فقضية الحدود العراقية الكويتية السعودية -على سبيل المثال- و هي واحدة من أعقد المسائل التاريخية قد اختصرها هيكل بأنها ناتجة عن خط رسمه “كوكس” على الخريطة في لحظة غضب و أن هذه الحدود لم تكن موجودة من الأساس بسبب الطبيعة “البدوية” لسكان هذه المنطقة التي كانت تتنقل بين بحار الرمال! و اختصر هيكل كذلك العلاقة السياسية و الدبلوماسية المعقدة بين الكويت و بريطانيا و الدولة العثمانية مصورا اتفاقية الحماية التي وقعت بين الكويت و بريطانيا و كأنها مؤامرة استعمارية تهافتت عليها بريطانيا لتسيطر على المنطقة و تهزم الخلافة العثمانية… بينما الواقع التاريخي يوضح بأن هذه المعاهدة لم توقع إلا بعد معركة دبلوماسية بين الأطراف الثلاث نتج عنها اتفاقية كانت بالأساس سرية لعدم رغبة بريطانيا لأن تكون طرفا في هذه المسألة من الأساس!

الطرح التاريخي المتعلق بالخليج و الكويت من ما يذكره هيكل كحقائق تاريخية هي بالواقع تنم عن نظرة بها نوع من “الاستشراق” الداخلي تصور منطقة الخليج على أنها مشايخ قبليّة رجعية بشكل أو بآخر ، و نحن هنا لا نقول بأن هذا الأمر غير صحيح أو حتى بأنه “عيب” يجب الخجل منه! و لكن ما أحاول قوله بأن طريقة عرض هيكل له قدمت بشكل نمطي و غير منصف إن صح التعبير.

إغفال اللب

إضافة لذلك ، و استكمالا للنظرة البترولية الهيكلية ، نجد الكاتب قد انجرف بتصوير حرب الخليج و كأنها حرب مصالح بين أمريكا و العراق… و له في ذلك مبرراته ، و لكن طرحه هذا كان فيه تجاهل واضح للجانب الإنساني من القضية ، و مرة أخرى نحن هنا لا ننكر دور “المصالح” التي حركت أطراف هذه الحرب… و لكن التركيز على مبدأ “التمصلح” أو “التمصلح البترولي” على وجه أدق أدى بهيكل لأن يغفل حقيقة الدافع الإنساني الذي حرك الشعوب لمساندة قضية الكويت و الحشد لهذه الحرب ، فمرور هيكل كان لا يتجاوز التلميح لما ارتكبته القوات العراقية في الكويت من جرائم إنسانية .. بل أدنى حتى من التلميح إن لم يبذل القارئ جهدا في استخلاص ذلك من كلام هيكل! فهو تناول كل ما حدث حول الكويت قبل الغزو و أثناءه و بعده (و ربما على عجالة لأميرها و حكومتها في المنفى) و تناسى ما حدث فيها و على أرضها و لشعبها رغم أن ذلك من المفروض أن يكون هو الأساس الذي قامت الحرب لأجله! و لكن يبدو أن هيكل تجاهل ذلك لأن فيه إضعاف لنظريته التي تعتبر المنطقة بترولا تحت رمال يرقد فوقها شيوخ القبائل قبل أن تكون شعبا و تاريخا و ثقافة… و تلك هي النظرة الإستشراقية التي اعتدنا عليها من الغرب.. و من أغلب العرب.

إضافة لذلك نجد بأنه حسب طرح هيكل لمجريات الحرب (وهي من المفترض بأنها حرب “تحرير الكويت“) نجده نسى تمام الهدف الأساسي (على الأقل المعلن) منها حتى أنه لينهي الفصل العاشر المعنون بـ”عاصفة الصحراء” صراحة بأن هدف الحرب تحقق بتدمير “الامكانيات العراقية” … دون حتى الإشارة إلى “هدف” تحرير الكويت من القوات العراقية الغازية!

هل أنصح بقراءة الكتاب؟

نعم..

بالنهاية فإن الكتاب بشكل عام يعتبر مصدرا تاريخيا غنيا ليس فقط بما يتعلق بحرب الخليج (أو حرب تحرير الكويت) بل بتاريخ المنطقة الحديث منذ بداية القرن العشرين و حتى العقد التاسع منه لا سيما لفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية (بغض النظر عن بعض التسطيحات المقصودة أو غير المقصودة كما ذكرنا أعلاه) ، كما أن الكتاب سهل القراءة كما ذكرنا سابقا رغم أنه يحوي أكثر من 630 صفحة ، و لكن يجب التعامل معه بحذر و قراءته قراءة نقدية لا تسلّم بكل ما ورد به على أنه هو الحقيقة الكاملة و الشاملة لحرب الخليج و “حروب البترول” كما أسماها الكاتب ، فهناك دائماً صورة أكبر و دوافع أعمق من البترول المجرد و مصالحه.

قد يوافق هذا الكتاب هوى الكثير العرب و بعض الأجانب لأنه يؤكد صورة نمطية تكونت لديهم خلال سنين طويلة ، كما أنه قدم رأيا مختلفا (أو كان مختلفا وقتها) عما كان شائعا عن الحرب عبر الإعلام و الأحداث السياسية المعاصرة للحرب ، و لكن ذلك لا يكفي اليوم و بعد عشرين عاما (أو أكثر) من انتهاء أحداثها ، فكلام هيكل و الفكرة العامة لنظريته (والتي لا زلت لا أختلف معها من حيث المبدأ) أصبحت اليوم شائعة و معروفة خاصة بعد حرب الخليج الثالثة (2003) ، و الخطر الكامن هنا هو بانقلاب حالة المعرفة العامة ليصبح كلام هيكل الذي كان ردا على حالة معرفية شائعة هو الأساس المؤكد بينما حقائق التسعينات و ما قبلها المخالفة له هي الأمر الشاذ! بمعنى آخر على القارئ عندما يقرأهذا الكتاب أن يضع باعتباره أنه كتب عام 1992 ، فإن كان القارئ عاصر ذلك التاريخ و ما قبله فإنه سيكون مكملا لما عاصره… أما إن لم يعاصر ذلك التاريخ فعليه أن يتذكر بأن هذا الكتاب يمثل وجها واحدا فقط للحقيقة… و التاريخ دائما متعدد الأوجه!

———–
تحديث:

إن كنت تبحث عن نقد مطول و أكثر “شراسة” للكتاب يمكنك الرجوع لكتاب “محمد حسنين هيكل و أوهامه عن القوة و النصر: حقائق حرب الخليج” لحنفي المحلاوي ، في هذا الكتاب يفند الكاتب مستعينا بكتابات كل من محمد جلال كشك و عبد العظيم ومضان العديد من المعلومات التاريخية التي صاغها هيكل في كتابه و يبين كيفية تلاعب هيكل بالألفاظ لتقديم صورة للقارئ قد تخالف ما هو حاصل بالواقع.

نجد في كتاب المحلاوي نقدا لاذعا لهيكل و اتهاما له بالكتابة مرتديا “الجزمة البعثية” كما يقول الانجليز! و يذكر بأن هناك تحيز واضح من هيكل نحو وجهة النظر العراقية و يستدل على ذلك بإنكاره للسبب الحقيقي للحرب و بتصويرها على أنها حرب عدوان على العراق و بأن هذه الحرب تفتقر للشرعية دون أدنى إشارة إلى كون العدوان العراقي على الكويت قد نسف كل أسس الشرعية من جذورها و صوره (تلميحا) كأنه حركة طبيعية استرد بها العراق الجزء السليب الذي اقتطعه منه الإستعمار الانجليزي.

من ناحية أخرى يعرض الكاتب اختلافات جذرية بين النسخة الإنجليزية من الكتاب (وهي التي طبعت أولا) و بين النسخة العربية ، و يتهم هيكل بأنه تلاعب في بعض الجمل و الألفاظ و زاد أو أنقص بعضها بحيث خرجت النسخة الانجليزية منه أشد قسوة على النظام المصري و أكثر دعما للنظام الأردني من النسخة العربية بحيث يكون الكتاب أكثر صلاحية للاستهلاك المصري ، كما يوضح أغلاطا جلية في بعض المعلومات التي أوردها الكتاب و التي أوقعت الإعلام المصري في حرج كحادثة تكذيب جمهورية أفريقيا الوسطى لمعلومة مشاركتها في حرب الخليج و إرسالها قوات للقاهرة طمعا في المساعدات المالية كما يدعي هيكل!

النقد في هذا الكتاب لاذع و شديد و لكنه في أحيان كثيرة يثري معلومات القارئ و يبين له على الأقل وجود وجهة نظر مختلفة و ينبهه على أن لا يأخذ بالمعلومة دون تحقق… حتى لو كان مصدرها محمد حسنين هيكل بجلالة قدره.

بينالي البندقية… حلم

ماهو البينالي؟

البينالي (بنيالي/بينيالي/Biennale/Biennial) هو نوع من المعارض الفنية تقام مرة كل عامين ، هذه المعارض تكون بمشاركات من عدة دول حيث يخصص لكل دولة جناح (أو بافليون Pavilion) تعرض فيه أعمال فنانيها المشاركين ، في نهاية كل بينيالي تقوم اللجنة المنظمة باختيار الدولة الفائزة بجائزة أفضل جناح بالإضافة للفنانين و الأعمال الفائزين بجائزة أفضل الأعمال الفردية.

هناك العديد من البيناليات العالمية الشهيرة في كثير من الدول مثل بينالي فلورانسا و الويتني بينيالي و بينالي موسكو و بينالي شنغهاي ، و هناك العديد من البيناليهات العربية كذلك مثل بينالي القاهرة و بينالي الشارقة ، و طبعا في الكويت لدينا بينالي الكويت و بينالي الخرافي.

بينالي البندقية

بالطبع فإن بينالي البندقية (فينيسيا) (The Venice Biennale/Biennale di Venezia) يعتبر واحدا من أقدم و أهم البناليهات بل و من أهم أحداث الفن المعاصر الدولية و التي يتم إنتظارها كل سنتين منذ عام 1895 و التي ستعقد دورته الرابعة و الخمسين هذا العام 2011 ، و هو طبعا يقام في مدينة البندقية Venice في إيطاليا بمشاركة العشرات من دول العالم حيث شارك بالدورة السابقة الثالثة و الخمسين (2009) سبعا و سبعين دولة و قام بزيارة أجنحة المعرض أكثر من 357,000 زائر.

بالإضافة للمعرض الرئيسي هناك أيضا معارض مصاحبة تشمل بينالي البندقية للفن المعماري و مهرجان البندقية السينمائي بالإضافة لمعارض و مهرجانات المسرح و الرقص و الموسيقى.

المشاركة العربية

رغم عراقة بينالي البيندقية إلا أن تاريخ المشاركات العربية فيه تعتبر حديثة نسبيا ، أول مشاركة عربية في مهرجان البندقية كانت لمصر (حسب علمي منذ 1952) و تلتها مشاركات لسوريا و لبنان و فلسطين و الإمارات التي تعتبر أول دولة خليجية تشارك في البينالي و ذلك في عام 2009 و بانتظار أن تشارك في معرض هذا العام أيضا بالإضافة للمملكة العربية السعودية.

المشاركة البحرينية

لعل أبرز المشاركات العربية كانت لمملكة البحرين و ذلك في بينالي البندقية للفن المعماري في عام 2010 حيث أنها لم تشارك فقط.. بل و فازت بجائزة الأسد الذهبي كأفضل جناح مشارك في المعرض !

جانب من الجناح البحريني في بينالي البندقية المعماري

جدير بالذكر كذلك أن ما ميز مشاركة البحرين هو كونها مشاركة فنية من التراث و التاريخ البحري الخليجي ، العمل المشارك عبارة عن ثلاثة أكواخ بحرية خشبية (عرزالات) يستخدمها الصيادون للجلوس و الراحة في وقت راحتهم ، المغزى من العمل هو بيان التحدي المعماري الذي يواجة المملكة في ظل التقدم المعماري المعاصر و معاناة الهوية المعمارية البحرينية في مواجهة هذا المد الثقافي الجديد.

Noura Al-Sayeh architect, co-curator of ‘Reclaim’ from epiteszforum on Vimeo.

العمل المشارك كان بإشراف وزيرة الثقافة البحرينية الشيخة مي بنت محمد الخليفة و تنظيم الفنانين المعماريين نورة السايح و الدكتور فؤاد الأنصاري.

المشاركة الكويتية

حان وقت الدراما !!

طبعا الكويت إلى الآن لم تشارك في بينالي البندقية ، و لكن ليس هذا ما يهمنا بالموضوع.. ما يهمنا هو أن الحديث عن المحاولات الكويتية للمشاركة بدأ في عام 1962 بمقالة كتبها الفنان خليفة القطان بجريدة الهدف بعنوان “الكويت و معرض البندقية الدولي” ، كتب خليفة القطان هذه المقالة بعد أن زار بينيالي الـ1962 أثناء تواجده في إيطاليا لإقامة معرضه الفني الخاص هناك ، تحدث خليفة القطان عن مشاهداته في ذلك البينالي و عن تاريخه و تنظيمه و طالب بأن تسعى الكويت للمشاركة في معرض الـ1964 القادم بعد أن اقتصرت المشاركات العربية في المعرض الذي زاره على الجمهورية العربية المتحدة ! و ذكر خليفة القطان بأهمية أن تضع الكويت اسمها و ترفع علمها وسط الدول المشاركة بالبينيالي لأن في ذلك أفضل دعاية للثقافة الكويتية و التي كانت في ذلك الوقت في أمس الحاجة لها (و ما زالت).

طبعا خليفة القطان لم يكتف بالمطالبة و المناشدة بالمشاركة ببينالي البندقية… بل سعى مع مجموعة من زملائه للمشاركة الفعلية فيه… و لكن محاولاته باءت بالفشل لأن البينالي لا يقبل المشاركات الفردية بل يجب أن يقدم طلب المشاركة رسميا من قبل الدولة المشاركة ، و بما أنه لم توجد في الكويت جهة رسمية تمثل الفنون (و ما زالت.. تقريبا) فإن طلب الفنانين الكويتيين قوبل بالرفض.

خليفة القطان لم يكتف بمحاولة المشاركة الفاشلة… بل سعى لتكوين جهة رسمية تمثل فناني الكويت و تنظم أمورهم و تطالب بحقوقهم ، و تم له ذلك عام 1967 بتشكيل الجمعية الكويتية للفنون التشكيلية والتي تمت تزكية القطان ليكون أول رئيس لها ، جدير بالذكر كذلك أنه من ضمن أوائل أنشطة الجمعية كانت تأسيس بينيالي الكويت و الذي أقيم أول مرة في ربيع عام 1969 بمشاركة ثمان دول عربية.

رغم حصول الكويت على بيناليها الخاص إلى أنه و بسبب البيروقراطية و انعدام الاهتمام و الجدية الحكومي و وجود الخلافات و الحزازيات بين الفنانين أنفسهم ظلت المشاركة في بينالي البندقية… حلما لم يتحقق ، مر 48 عاما على حلم خليفة القطان… و ها هي شقيقاتنا العربيات و الخليجيات تتسابق في المشاركة و الفوز بالبيناليات و المعارض العالمية و نحن ما زلنا … نحاول.

فهل موعدنا 2013 ؟

——–

مصادر:

موقع بينالي البندقية

معلومات عن البينالي

موقع designboom متحدثا عن فوز البحرين

موقع الجناح الإماراتي

شيخ الفنانين: خليفة القطان و الدائرية

مؤتمر جلاسجو (الجزء الثالث): طراز دبي و لاندسكيب لبنان

تيم كيندي من الجامعة الأمريكية في الشارقة تحدث عن التاريخ العمراني لمنطقة خور دبي ، ذكر كيندي أن فكرته عن الشرق كانت مستقاة من أفلام على بابا التي شاهدها في صغره و أنه عندما زار دبي وجدها كما توقعها في أحلامه!

قبل أن يرى دبي بعينيه قيل له أن الطراز المعماري في المنطقة تمت استعارته من مناطق مختلفة من العالم لعدم “وجود” طراز معماري محلي! كمثال على ذلك ذكر النقاد أن منطقة مثل شاطئ الجميرة إنما هي محاولة لتكوين شكل معماري إماراتي بينما هي بالواقع خليط معماري غير متجانس ، ‪فهي مدينة عربية “مزيفة” كما أسموها (رغم أنهم استمتعوا بالإقامة فيها) ، و لكن الشك سايره تجاه هذه الملاحظة ، و عندما أجرى أبحاثه وجد أن المنطقة مازالت تحتفظ بتاريخ تراثي و معماري ممتد.

مشكلة دبي كما يراها كينيدي هي أن هناك اهتمام “بشكل المعمار أكثر من الاهتمام بالمعمار ذاته” ، فالشكل البصري للمعمار ليس سوى جزء من التصميم المعماري ، بينما هناك عوامل أخرى لا تقل عنه أهمية كالمادة و الوظيفة و المكانة التاريخية ، و ذكر بأنه في دبي هناك اهتمام بصورة التاريخ أكثر من التاريخ ذاته ، و استشهد كينيدي بمقولة لرونالد بارت حول الفرق بين شكل المصارع و وظيفته التي لا تتعلق بالفوز بل بشكل الفوز.

كمثال على مبدأ الشكل و الوظيفة استشهد كينيدي بأسماء المناطق و المعالم ، فالاسم كما يذكر كينيدي شيء أساسي ، و معرفة كيفية حصول المكان على اسمه تعتبر قصة ترشدنا لتاريخ ذلك المكان ، و ذكر أن أسماء مناطق مثل ديرة و البطينة و الراس و البستكية جميعها تدلنا إما على تاريخ هذه المنطقة أو على أهمية موقعها الجغرافي ، و رأى بأن هناك فرق كبير بين هذه الأسماء التاريخية و بين أسماء المناطق الجديدة التي تحمل وصفا شكليا كمدينة الإنترنت و مدينة الإعلام و غيرها.

عبدالله كاهل من الجامعة الأمريكية في بيروت قدم ورقة بعنوان الهوية في فن اللاندسكيب اللبناني خلال القرن العشرين ، إقتراح الورقة هو أن فن اللاندسكيب اللبناني منذ فترة الانتداب الفرنسي خلال العشرينات مرورا بفترة الحرب الأهلية و حتي اليوم إنما يحمل رسائل فكرية موازية لنشأة “الدولة” اللبنانية.

تاريخيا لبنان لم تكن مركز اهتمام فني بالنسبة للمستشرقين ، فلبنان كانت تمثل محطة عبور بالنسبة لهم تجاه قبلتهم في فلسطين ، و لكن كانت هناك لوحات قليلة رسمت للطبيعة اللبنانية من قبل المستشرقين و هذه اللوحات يمكن أن تكون موضوعا للمقارنة مع الإنتاجات اللاحقة للفنانين المحليين الذين بدأ انفتاحهم على الفن الغربي خلال أواخر القرن التاسع عشر و بداية القرن العشرين ، و في بدايات القرن العشرين بدأ هؤلاء الفنانين المحليين بالتوجه إلى بيروت لأنها تعتبر السوق المناسب لهم لوجود الكنائس و الرعاة ، و خلال الثلاثينات و بعد إعلان مبدأ “لبنان الكبير” و توافد اللبنانيين من الجبل و الجنوب إلى بيروت بدأت المشاكل السياسية حول مواضيع تقسيم السلطة و رفض الوجود الفرنسي تطفو على السطح.

خلال تلك الفترة كان هناك توجه من قبل الفنانين اللبنانيين نحو فن اللاندسكيب و ذلك لعدة عوامل ، ففن اللاندسكيب أولا يعتبر محور اهتمام لجميع اللبنانيين بمختلف توجهاتهم و الفنان بذلك يضمن سوقا لأعماله ، و ثانيا يعتبر اللاندسكيب مفرا لبعض الفنانين الذي تعلموا في أوربا بعيدا عن مواضيع “النودز” التي تعتبر من المحرمات الدينية و الاجتماعية في المجتمع اللبناني المحافظ ، و السبب الثالث هو أن اللاندسكيب أيضا يعتبر مفرا من قضية “الهوية” اللبنانية في ظل الأجواء السياسية الحرجة ، فالمجتمع اللبناني يعتبر خليطا بين الحضارات العربية و الفينيقية بالإضافة إلى الأرمينية و غيرها (كما ذكرنا سابقا في موضوع بحر أوسطية لبنان) ، و اللاندسكيب يعتبر هروبا من التعبير عن هذه الهوية التي لا مفر من التعبير عنها عند تناول مواضيع البورتريه أو المباني أو المواضيع التاريخية.

رغم التجرد الظاهري لفن اللاندسكيب من البعد السياسي و الاجتماعي الا أن أعمال بعض الفنانين يمكن أن تفسر تفسيرا يعبر عن إسقاطات سياسية أو تاريخية تتعلق ببعض الحوادث أو القصص المتعلقة بالمنظر المرسوم كما يذكر عبدالله كاهل ، و من ناحية أخرى فإن أسلوب الرسم أو التعبير قد يكون له دلالات سياسية و اجتماعية و إن كان الموضوع مجردا منها ، و استشهد كاهل بأعمال الفنان رفيق شرف الذي تحدى الصورة الزاهية للطبيعة اللبنانية و قدمها بشكل أكثر سوداوية ، و أرجع هذا التقديم لخلفية الفنان الذي يأتي من خلفية شيعية تحمل شعورا سلبيا متعلقا بوجودها الاجتماعي في الكيان اللبناني.

و اختتم كاهل ورقته بالحديث عن فن مرحلة الحرب الأهلية و ذكر بأنه خلال هذه الفترة حدث تحول في مواضيع اللاندسكيب اللبناني ، فمواضيع اللاندسيكب الطبيعية اخذت بالهجرة إلى نحو داخل المدينة و تحولت إلى السيتي سكيب ، فالفنان اللبناني بعد أن كان يصور الطبيعة اللبنانية بجبالها و أنهارها و وديانها انتقل لتصوير المباني و الترسانات المصبوغة بالأعلام و الشعارات السياسية و التي من خلالها ظهرت للسطح الانقسامات الداخلية اللبنانية بعد أن كانت تحاول الاختباء طوال الأعوام التي سبقتها.

———–

ملاحظات:

– ما ينطبق على الحديث عن دبي ينطبق كذلك على العديد من المدن العربية و التي من ضمنها المناطق الكويتية طبعا !
– يبدو بأن المصير المشترك للعرب يخص مشاكلنا و خلافتنا أكثر من أي شيء آخر لأن عبدالله كاهل تحدث بشكل موجز عن مشاكل الفن اللبناني في الوقت الحالي و وجدتها مطابقة تماما لمشكالنا في الكويت !
– عندما بحثت عن الفنان رفيق شرف على جوجل وجدت بأن غالبية النتائج كانت تتحدث عن خبر وفاته !!