أرشيف التصنيف: Life

Largest Fireworks Display فيديو احتفال اليوبيل الذهبي للدستور (video project)

World's largest ever fireworks display

In celebration of its constitution golden jubilee Kuwait set a new world record for the largest ever fireworks display. I was among a group of photographers invited by the Kuwaiti Coast Guards to cover the display from the sea, which gave us a unique view of the whole display.

احتفالا بمناسبة اليوبيل الذهبي للدستور أقامت الكويت أكبر عرض للألعاب النارية في العالم، تمت دعوتي مع مجموعة من المصورين من قبل خفر السواحل الكويتي لتغطية الحدث من وسط البحر من سطح إحدى قواربهم الكبيرة، وجودنا في وسط البحر أتاح لنا الحصول على زاوية مميزة للحدث بالكامل.

The world’s largest ever fireworks display | اليوبيل الذهبي للدستور الكويتي from Moayad Hassan.

The video was shot with a Canon 5D Mark II with a Canon 50mm f/1.2 and Canon 100mm f/2.8 IS Macro. Edited with Final Cut Pro X, which after the latest update finally started to work nicely. I used CHV Repair FX 2 to clean the high ISO noise and to remove what looks like a dead pixel.

إحصاء التجمعات البشرية بالطرق العلمية

تقدير عدد الحشود والتجمعات البشرية هو علم معقد يعتمد على أجهزة مراقبة حديثة وعمليات حسابية معقدة للحصول على أرقام تقارب الأعداد الحقيقية المحصاة، في العديد من الدول المتقدمة هناك مؤسسات متخصصة في عملية تقدير الحشود تستعين بها وسائل الإعلام والأجهزة الأمنية ومنظمي الحفلات والمناسبات وغيرهم، تستخدم تلك المؤسسات لأداء وظيفتها أدوات مثل التصوير الجوي وصور الأقمار الصناعية وأجهزة التصوير الحراري وغيرها، لكن حتى دون جميع هذه الأدوات هناك نظريات إحصائية يمكننا استخدامها لتقدير عدد الحشود بشكل إن لم يكن دقيقا فمنطقي.

معضلتنا الدائمة في الكويت – والدول العربية عامة – هي حرب التصريحات بعد كل تجمع والتي تدور حول عدد الحضور، فبينما تقديرات منظمي التجمعات السياسية بالذات ومن يؤيدهم تصل إلى مئات الآلاف نجد تقديرات الحكومة تصفهم ببضع مئات! ووسائل الإعلام من ناحية أخرى تقدرهم بعد أن تلعب لعبة “حذره بذره“!

باستخدام إحدى النظريات الإحصائية التي وضعها الدكتور هربرت جاكوبز يمكننا ببساطة وباستخدام أدوات مثل خرائط جوجل أن نقدر عدد الحشود عن طريق حساب مساحة التجمع، بالإضافة للمساحة فإن هذه الطريقة تتطلب تقدير كثافة المتواجدين في التجمع ومن ثم تقسيم المساحة على الكثافة للحصول على عدد الأفراد المتجمعين، بما أن الحشود عادة لا تكون موزعة علي المساحة بشكل متساو فإن الطريقة الأدق هي بتقسيم التجمع إلى مساحات أصغر كل حسب كثافة المتواجدين فيها ومن ثم تقدير الحضور في كل مجموعة وجمعهم للحصول على العدد الكلي، الرسم التالي يوضح عملية التقسيم تلك.

كثافة التواجد عبارة عن عدد تقديري، فالمناطق ذات الكثافة البسيطة تحوي فرد واحد لكل ١٠ أقدام مربعة، مناطق الكثافة العالية تحوي فردا لكل ٤ ونصف قدما مربعا، أما في حالة التصاق الحشود ببعضها فإن الكثافة هي فرد لكل ٢ ونصف قدم مربع.

تجمع الأبراج

كما ذكرت عند الحديث عن مشاهداتي في مسيرة كرامة وطن في مقالي السابق قدرت المشاركين بالمسيرة بأنه لا يمكن أن يتجاوز عددهم ٥٨ ألف شخص، للحصول على هذا العدد احتجت لتقدير مساحة التجمع أولا، للحصول على مساحة التجمع استخدمت أداة لحساب المساحة باستخدام خرائط جوجل لأحصل على المساحة المذكورة بهذا الرسم:

لا تتوفر صورة جوية واضحة للتجمع للأسف، لكني كنت متواجدا على الأرض وأعلم جيدا المساحة التي توقفت عندها المسيرة واجتمع بها الحشدان وهي المظللة بالصورة أعلاه، حد التجمع من الشرق إشارة تقاطع شارع الخليج مع شارع السور ومن الغرب حاجز القوات الخاصة، يلاحظ هنا أن التواجد بالقرب من حاجز القوات الخاصة أكبر لأن المسيرة توقفت عندها عن الحركة.. بينما عدد المتواجدين بالخلف كان أقل.

لم أستطع حساب التواجد على شكل مساحات أصغر بكثافات مختلفة كما بالطريقة العلمية، لكني اعتبرت أن الكثافة واحدة وموزعة على مساحة التجمع الرئيسية ككل، تجاهلت من ناحية أخرى المساحات التي احتوت على أعداد ضئيلة من الناس كالمطاعم أو المساحات المحتوية على الأشجار، أي أني بالنهاية قدرت أن الحشد عبارة عن كتلة كبيرة واحدة ذات كثافة عالية، يعني حاولت الموازنة بين المبالغة بتقدير كثافة الحشد مقابل تجاهل مساحاته ذات الكثافة الأقل، يمكن القول كذلك أن المساحة التي حددتها ستحتوي التجمع ككل لو اجتمع جميع حضور المسيرة ككتلة واحدة.. وربما تزيد قليلا.

نسبة الخطأ في حالة الحسبة العلمية التي ذكرتها بالأعلى هي ١٠٪ .. في حسبتي سأعتبرها ١٥٪.

الآن، لنحسب مرة أخرى:

مساحة التجمع = ٢٦٢٣١٣ قدم مربع
معدل الكثافة (العالية) = فرد واحد لكل ٤ ونصف قدم مربع

عدد الحضور = ٢٦٢٣١٣ / ٤.٥ = ٥٨٢٩٢ فردا

إن طبقنا نسبة الخطأ نستطيع القول بأن تقدير التجمع عند الأبراج الذي تواجد للمشاركة في مسيرة كرامة وطن هو ما بين ٤٩ ألف إلى ٧٦ ألف شخص، قد يكون أقل من ذلك ولكن مستحيل أن يكون أكثر.

ساحة الإرادة

من التساؤلات المطروحة دائما هي عدد الحضور في ما يسمى بساحة الإرادة لكونها إحدى نقاط التجمع المعروفة بالكويت، عند استخدام نفس الطريقة المذكورة أعلاه يمكننا أن نضع تقديرا للقدرة الاستيعابية لساحة الإرادة، والقدرة الاستيعابية تعني الحد الأقصى من التجمع الذي يمكن للمساحة أن تحويه، وحسبة ساحة الإرادة قد تكون أسهل لأنها أقل مساحة ولأن الحضور فيها ثابث (واقف أو جالس في مكانه).

إذن العدد الأقصى لحضور ساحة الإرادة لا يمكن أن يتجاوز ٢٨ ألف فرد، قارن هذا الرقم مع الأرقام التي نسمعها عادة من منظمي التجمعات ومؤيديهم! قد يقول قائل بأن الحضور قد يكون متواجدا على مساحة أكبر من المبينة على الخريطة، وكما في حالة تجمع الأبراج فإن من سيتواجد خارج المنطقة المحددة يمكنتجاهلهم لأن التواجد الخفيف في منطقة مواقف السيارات مثلا أو خلف الساحة يمكن تجاهله لأننا اعتبرنا المنطقة الوسطى منطقة كثافة عالية، وعلى كل حال إن حصل في المستقبل أن فاض عدد الحضور عن المساحة المقدرة أو نقص فيمكن اعتبار هذا التقدير كمرجع منطقي لنسبة الزيادة أو النقص.

انتبه لزاوية التصوير!

لماذا نشعر بأن العدد أكبر من ذلك؟

هناك عوامل نفسية واجتماعية عديدة تجعنا نشعر بأن عدد الحضور أكبر بكثير من ما هو عليه بالواقع، وجودك وسط الحشد.. خاصة إن صاحبه أصوات عالية وهتافات جماعية.. يملأ نفسك بنوع من الرهبة مما يحدك لإعطاء الجمع تقديرا أكبر مما هو عليه، وهذه مسألة يسأل عنها أهل الاختصاص لمن أراد الاستزادة.

إن لم تكن موجودا مع الحشد ولكن شاهدته في صورة أو فيديو فإن زاوية التصوير هنا تلعب دورا هاما في تقديرك للعدد، التصوير الجوي يعطينا تقديرا أفضل للعدد كما ذكرت أعلاه لأنه يمكن أن يظهر لنا التجمع ككل مع ما يحويه من فراغات ومساحات محيطة به، لكن التصوير عن قرب يمكن أن يخدعنا حسب زاوية الصورة وتأطيرها، فيمكنني كمصور أن أصور عشرين شخصا بزواية مناسبة وتأطير ضيق فيبدو للمشاهد وكأن العدد ضخم (وهذه الطريقة نستخدمها أحينا لتصوير جمهور الندوات علشان يعني شوفوا يوونا ناس وايد :grin: ) ، ويمكنني أن أصور مئة شخص من بعيد أمامهم شارع فارغ وبينهم مسافات ليبدوا التجمع ضئيلا، الأمر بالنهاية نفسي ويعتمد على شطارة (أو خباثة) المصور والمحرر الذي يختار الصور ليرفقها بالخبر (أو التويت).

مسيرة كرامة وطن من زاوية أخرى، أين عشرات الألوف؟

مسيرة كرامة وطن من زاوية أخرى، أين عشرات الألوف؟

هناك طبعا الأسباب السياسية التي تضخم الأعداد أو تستخف بها، من يستفيد من مضاعفة الرقم لن يتردد في ذلك ومن يستفيد من تقليله سيفعل، وبالإضافة لعدم استخدام الطرق العلمية لتقدير عدد التجمع وتفاوتها لدى وسائل الإعلام نجد من ينقل هذه الأرقام يستخدم الأرقام المعلنة الأقرب لقلبه من أجل نشرها، فإن كان مؤيدا للمسيرة مثلا فسيبحث عن الجريدة أو الوكالة التي قدرت العدد أكبر تقدير ليستشهد بكلامها… والعكس صحيح.

ما يهمنا الآن هو أن تستخدم عقلك ولا تصدق أي رقم من أي تصريح أو خبر تسمعه، لا أقول بأنه عليك بعد كل تجمع أن تفتح خرائط جوجل وتحسب المساحة والكثافة! ولكن يكفي أن تتعلم أن لا تثق بـ”حيالله” رقم تسمعه… خاصة من منظمي التجمعات أو من الإعلام الحكومي!

بل لا تعتمد حتى على حسبتي وأرقامي التي أوردتها في تدوينتي هذه!! نريد جمهورا واعيا مفكرا ناقدا يستخدم عقله وتقديره ومنطقه في نقد كل ما يسمع أو يقرأ أو ينقل له، لا نريد جمهور يقتات على “الرتويت” و “البرودكاست” دون تحقق أو تفكر، لا تعتمد حتى على أستاذنا الدكتور طارق السويدان! (وأنا هنا لا أخشى ذكره بالإسم لأني ما زلت أعز هذا الإنسان الذي التقيت به وتعرفت على شخصيته عن قرب) فقد يكون الدكتور طارق نقل الرقم من مصدر خاطئ ولم يكلف نفسه التحقق منه (لكن الرقم بالتأكيد أعجبه :) ) والأدهى أن ينقل كلامه من بعد ذلك أكثر من ١٧٥٠ شخص أيضا دون تحقق واعتمادا على “شخصية” الدكتور، الأدهى والأمر من ذلك هو أن الحصول على معلومة غير منطقية كهذه من شخص كالدكتور طارق تجعلنا نشك حتى ببقية المعلومات التاريخية التي طالما أتحفنا بها بكتبه وتسجيلاته! لذلك أتمنى أن يتراجع الدكتور طارق عن تصريحه هذا حتى تطمئن قلوبنا على ما وصلنا منه لحد الآن، وأتمنى أن تصل له كلماتي هذه التي لم أذكرها للإساءة لذاته التي أكن لها التقدير والاحترام، ولكني أذكرها لتبيان وجهة نظر مفادها تقديم العقل على الأشخاص والمنطق على العواطف في كافة أمور حياتنا الدنيوية.

مشاهدات في كرامة وطن

اللقطة من تصوير عذوب الشعيبي

نعم حضرت ما أطلق عليه اسم “مسيرة كرامة وطن” بالأمس (٢١ أكتوبر ٢٠١٢)، لم أحضر للمشاركة في هذه المسيرة، فكما لمحت في مقالي السابق وصرحت ببعض مشاركاتي على التويترأنا – وبصراحة – لست بمؤمن بأن هذه المسيرات هي الحل الأفضل لما نمر به من أزمات وعقلي يرشدني إلى أن الهدف الذي تسعى له هذه المسيرة باطل.. إن كان لها هدف أصلا! لكني حرصت على حضور هذه المسيرة لهدفين: أولا، لتوثيق الحدث، وثانيا: لدراسة الحدث من الداخل وملاحظة ما يجري فيه من أجل تكوين فكرة أكثر شمولا عنه.

هذه التدوينة لن تكون نقلا وثائقيا محايدا للحدث! أنا هنا لست بصحفي ولا أسعى لعمل “تغطية” صحفية تكتفي بنقل الأحداث كما حدثت، بل سأقوم بسرد مشاهداتي مع تحليل مبني على أسس نقدية “شبه أكاديمية” – إن صح التعبير – تعتمد على الحدث نفسه وعلى خلفيته التاريخية والثقافية والاجتماعية، هذا لا يعني على الإطلاق أني سأستسلم للطرح العاطفي أو للإثارة غير المبررة! مقياسي في التحليل سيكون عقلانيا قدر الإمكان، و عندما أذكر بأن نقلي لن يكون محايدا فإنما أعني بأني لن أحاول لي الحقائق لأرضي جميع الأطراف!

طرحي في هذه التدوينة قد لا يرضي الجميع، وذلك غير مهم لأني لا أسعى لإرضاء أحد سوى عقلي الذي ناداني.. فأجبته بالسمع والطاعة! إن كنت رأيتني قد أخطأت فصوبني، إن كنت رأيتني قد حدت فقومني، هناك صندوق تعليقات في أسفل هذا البوست.. قل فيه ما شئت وبين فيه وجهة نظرك وسأكون لك من السامعين والشاكرين.

مع كاميرتي

هدفي الأول من خروجي لمسيرة كرامة وطن هو التوثيق المصور، فأنا بالإضافة لكوني متخصص بالتاريخ والثقافة أكاديميا تلقيت أيضا تدريبا مكثفا بمجال إنتاج الأفلام الوثائقية.. بالإضافة لكوني هاو للتصوير الفوتوغرافي طبعا، ويفتقر أرشيفي المصور لمواد متعلقة بالأحداث السياسية المعاصرة، فقد عشت في بريطانيا طوال الأعوام السبع الماضية وفاتتني – ولله الحمد – الكثير من الاعتصامات والتجمعات التي جرت خلال تلك السنين الحرجة، ومسيرة الأمس كانت فرصة مواتية حرصت على اغتنامها.

خرجت للتصوير بصحبة زوجتي المصورة عذوب الشعيبي مصطحبا معي عدة بسيطة تتكون من كاميرا كانون فايف دي وعدسة كانون ٥٠مم ١،٢ (لتوائم ظروف الإضاءة الليلية) بالإضافة لميكرفون زوم أتش ١ الذي أستخدمه للمرة الأولى، لم أالتقط أي صورة ثابتة، ركزت بالكامل على تصوير الفيديو الذي أخذت منه بضع “فريمات” لأرفقها بهذه التدوينة. لن أضع أي كليبات من تصوير الفيديو هنا لأني أخبئها لمشروع أخطط ليرى النور قريبا إن شاء الله 🙂

مسيري

انضممنا للمسيرة الساعة السادسة والنصف تقريبا من الساحة الترابية المقابلة لسوق شرق، بدا واضحا منذ البداية حالة شبه الفوضى التي أصابت منظمي المسيرة! فعند الوصول لشارع الخليج تفاجأت بأن المسيرة استدارت لليمين بدلا عن اليسار كما كان مخططا حيث نقطة التجمع مقابل مبنى مجلس الوزراء (أو ما يسمى بساحة التغيير). نصت تعليمات المنظمين كما قرأناها في موقعهم بأن المسار من الممكن أن يتغير في حالة اعتراض قوات الأمن لها.. إلا أن هدفها النهائي سيكون دائما ساحة التغيير، لكني لا أدري كيف سيؤدي السير بالاتجاه المعاكس إلى ذلك الهدف! والأمر لم ينتهي عند هذا الحد..

على مستوى “الميكرو” كما يقال كان التنظيم جيدا من حيث حث الجماهير على السير على الأرصفة وتجنب الشارع الذي كان مزدحما بالسيارات، وكذلك في ضبط سرعة المسير والموازنة بين الوصول للهدف (إن كان هناك هدف!) وبين الحفاظ على تماسك المجموعة.

من ما لاحظت كذلك قلة المشاركة النسائية (حسبما عددت لا تتجاوز الـ٢٥ مشاركة عند انطلاق المجموعة)، مع العلم بأن النقطة التي انطلقنا منها من المفروض أن تضم المجموعة النسائية، قد تكون قلة المشاركة النسائية شيئا إيجابيا.. ولكني كنت أتوقع عددا أكبر. كان هناك بعض المشاركين من الأطفال ومن يبدوا أنهم تلاميذ مدارس، لو كانت هذه المسيرة بالذات تجمعا سياسيا عاديا لكان وجود هؤلاء مقبولا (رغم أنهم غير مكلفين بذلك) ولكن في هذه المسيرة المشوبة بالخطر فإن أقل ما يقال عن وجودهم هو أنه يصعب تقبله.

استمرت المجموعة بالسير بسلام مع ترديد الصيحات والأهازيج والأناشيد (سأتحدث عن تلك الأهازيج بالتفصيل لاحقا) وأثناء السير أخذت المجموعة بالتكاثر تدريجيا، بعد تجاوز السفارة السعودية لوحظ إغلاق رجال المرور للطريق على السيارات ليصبح الشارع المتبقي بالكامل ملكا للمتظاهرين، تواجد عدد بسيط من دوريات الشرطة على الشارع وكان دورهم تنظيميا لا أكثر، لم يتحدث إليهم أحد ولم يحدثوا أحدا من المتظاهرين.

إلتفت المجموعة مع الشارع متجاوزة الأبراج لتصادف مجموعة أخرى من المتظاهرين دخلت من شارع السور من خلف قصر دسمان متجهة نحو المجموعة الأولى، يمكن القول بأن الفوضى التنظيمية استشرت بعد أن التقى الجمعان! المجموعة الجديدة بدى عليها الحماس الزائد.. كما ونوعا! عددهم أكبر… أصواتهم أعلى.. وهتافاتهم أشد “قسوة”! بدت واضحة ربكة المنظمين من كلا المجموعتين، فتارة تسير الجموع إلى الأمام وإلى الخلف تارة وتتوقف تارة أخرى، الحاصل هو أن مجموعة توقفت تهتف عند سور قصر دسمان وأخرى أكملت طريقها عائدة باتجاه سوق شرق، ما سمعته من بعض الحضور والمنظمين أن الهدف كان المسير نحو ساحة الإرادة… أي أن الهدف كان المسير بعشرات الآلاف من المتظاهرين مسافة ٥ كيلومترات مرورا عبر بضعا من أكثر المباني حساسية في الكويت مثل السفارة البريطانية، السفارة السعودية، المستشفى الأميري، سوق شرق، إدارة الأمن الوطني، وزارة الخارجية، قصر السيف، الديوان الأميري، ديوان مجلس الوزراء بنك الكويت المركزي، للوصول إلى مجلس الأمة!! مساحة ساحة الإرادة على فكرة تقدر بأقل من ١٢ ألف متر مربع، أي أن طاقتها الاستيعابية لا تزيد عن ٢٩ ألف شخص، بينما الحشد القادم من ناحية الأبرج يقدر بـ ٥٨ ألف شخص. سأفصل لاحقا طريقة حساب الحشود. طوال فترة المسيرة لوحظت طائرات وزارة الداخلية العامودية وهي تحوم فوق أرجاء مدينة الكويت، ولوحظ كذلك أنه كلما اقتربت الطائرة من الحشود ارتفعت أصواتهم وزاد تأشيرهم لها بأيديهم وبما يحملونه من لافتات.. بقصد جذب انتباهها ربما!

الصدام

في خضم الربكة التنظيمية قررت الحشود التوحد ومواصلة المسير غربا باتجاه مسار الرعب المبين أعلاه، بمجرد اقتراب الحشد من مطعم ميس الغانم وعلى بعد أمتار قليلة من السفارة البريطانية تفاجأت الجموع بظهور مفاجئ لحاجز مرعب من أفراد القوات الخاصة! لم تكد تفق الجموع من صدمة الظهور المفاجئ لهذه القوات ولم تسنح لها فرصة البدأ بإطلاق صيحات الاستهجان نحوها حتى صعقتها تلك القوات بإطلاق سيل من القنابل الصوتية، شخصيا عندما كنت أسمع بالقنابل الصوتية كنت أتخيل بأنها مجرد… صوت 🙂 لكن ما استخدمته القوات الخاصة كان شيئا يجمع بين الصوت والضوء والدخان والرائحة، صوت الفرقعة مرعب بحد ذاته.. أما الضوء المتطاير فأقرب ما يشبهه هو شكل قذائف النابالم التي استخدمت في حرب فيتنام.

الحشود المذهولة سارعت عائدة هربا من تلك النيران، الغالبية سارت للخلف عائدة نحو الأبراج، البعض اختار النزول نحو رمال الشاطئ (مو خوش فكرة!)، استمرت القوات الخاصة بإطلاق القنابل الصوتية والدخانية على المتظاهرين كلما حاول أحد الاقتراب منهم، ولم تكتف القوات بالوقوف مكانها بل كانت تتقدم بشكل بطيء مجبرة الحشود على التراجع التدريجي، شاهدت بعض الإصابات يتم نقلها للخلف، شخصيا أشك بتعرض أحد للضرب لأن مجرد الاقتراب من القوات كان شيئا شبه مستحيل.

عدد كبير جدا من المتواجدين بدأ بالانسحاب نحو الخلف، منهم من اختار العودة إلى سيارته وبيته، ومنهم من ظل يعلب لعبة الضغط والتراجع مع القوات، عندما أيقنت أن الأمر انتهى توجهت أنا أيضا إلى سيارتي مستديرا حول قصر دسمان، عند مدخل شارع السور ناحية القصر كانت هناك جموع بسيطة من القوات الخاصة الملثمة اكتفت بمراقبة المنسحبين وفي أعينها فرحة النصر بادية! بعض المنسحبين أطلق نحو القوات “نغزات” خافتة مثل “ما تستحون على وجوهكم!” أو شيء من هذا القبيل.. لكن القوات لم يعيروهم أي اهتمام. من الأصوات التي كنت أسمعها بدا بأن عملية الدفع التدريجي للمتظاهرين نحو الخلف استمرت لنصف ساعة أو ساعة أخرى.

ملاحظاتي

بعد هذا السرد التاريخي الطويل الوقت حان لأذكر ملاحظاتي النقدية على ما جرى خلال المسيرة، تطرقت خلال السرد أعلاه لقضية هامة جدا وهي ضعف تنظيم المسيرة وانعدام التنسيق بين قوادها، التخبط والعشوائية كانا سيدا الموقف، كذلك أثر ضعف التواصل (إرسال الهواتف أصلا كان ضعيفا بسبب الضغط العددي) بالإضافة لعدم وجود خطط بديلة ومسارات واضحة يسار عليها.. على عكس ما أعلن.

لتفسير ذلك يمكننا وضع احتمالين، أولا، عدم قدرة المنظمين على التخطيط أصلا! فهذه المسيرة لا تفتقر فقط للهدف السياسي (كما سأبين لاحقا عند الحديث عن الهتافات) بل وتفتقر حتى للتخطيط اللوجستي! فالجموع الغفيرة (واغفروا لي صراحتي) أصبحت ألعوبة بيد قوات الأمن.. تراقبها وتحاوطها وتشتتها كما تشاء، بدا لي أنه ليس لدى المنظمين أي علم أو دراية بفنون “حرب الشوارع” .. والتي لا تعني بالضرورة الحرب بمفهومها الدموي ولكن كيفية مراوغة العدو ومجابهته بالحيلة، شبابنا بالطبع ليس لديه خبرة بذلك.. وأتمنى أن لا يحتاج لهذه الخبرة على الإطلاق! لكن السؤال الذي سأطرحه هنا هو كيف يمكن لمن لا يستطيع إدارة بضع آلاف من البشر أن يدير دولة بأكملها بالمستقبل كما يطالب؟ لا أحاول هنا الربط بين إدارة الحشود وإدارة الدولة من الناحية العملية.. فكلا الأمرين فن مستقل بذاته، ولكن ما أقصده هو امتلاك روح التخطيط والتي هي أساس الإدارة، بمعنى آخر وجدنا المنظمين “مالهم خلق” يخططون لمسيرة منظمة… وعدم وجود “الخلق” تعتبر واحدة من أشد الآفات فتكا بالعقلية الكويتية! وأقولها بكل صراحة بأننا لن نقدر أن نتقدم ولا أن نقضي على فساد أو نسترد “كرامة” طالما أن “مالنا خلق” نخطط كما تخطط الأمم الراقية، وإصلاح هذا “الخلق” سيحتاج منا إلى جهد كبير وجهاد طويل ضد أنفسنا وضد ثقافتنا الحالية.

هناك تفسير آخر لحالة التخبط التي حدثت وهي بأني ظلمت تخطيطها، فهي فعلا مخطط لها بدقة… ولكنه تخطيط نحو الفشل! كباحث علي أن أرى الأمور من جميع الجوانب وأطرح ما أستطيع أن أجد من فرضيات وأختبرها لأتبين صحتها، وحالة الانهيار الإداري التي أصابت المسيرة يصعب خروجها من أحد الاحتمالين المطروحين، إما أنه عجز حقيقي أو خطة وضعت من البداية بقصد إفشال المسيرة وإدخالها في مواجهة عنيفة مع السلطات، وقود هذه المواجهة كما هو واضح هم الشباب المتحمس الذي تعرض لتجربة قد تكون من أقسى التجارب التي واجهها في حياته، ومن المستفيد من هذا الصدام الشرس؟ لن أتطرق لجواب هذا السؤال لأني أجبته من قبل مرارا وتكرارا 🙂

الصيحات

أقل ما يقال عن الصيحات والأهازيج والأناشيد التي أطلقها المتظاهرون هو أنها تخلو من أبسط أنواع الإبداع!

من أمثلة تلك الأهازيج أغنية “بلادنا حلوة.. حب الوطن ماله مثيل” والمحرفة من أغنية “بلادكم حلوة” من مسرحية “السندباد البحري” التي عرضت عام ١٩٧٨.. قبل أن يولد معظم حضور المسيرة! وعلى نفس اللحن تم أيضا ترديد “بلادنا ضاعت.. ترى السبب نهج الحديد” والتي سمعتها من البعض”نهج الحديث” ومتأكد بأني سمعتها من آخرون “ترى السبب نهج الأمير“!

هناك أيضا صيحات محرفة عن صيحات قائمة الوسط الديموقراطي القديمة مثل:

وعي وطني سنناضل من خلاله
(بالحجة والمنطق نهزم الإخوانا)

لكن مع استبدال الشطر الثاني بـ:
لا سني ولا شيعي فوحدة وطنية

واللي طبعا مو راكب لأنه شطر مأخوذ من بيت آخر من نفس القصيدة… يعني بالكويتي عفيسه!

هناك الصيحات المعبأه مثل: وحدة وحدة وطنية.. مجلس أمة وحرية ، والتي يمكن تركيب أي شطر عليها مثل “تاكل خبزة ورقية” 🙂

بعض الأناشيد كانت عبارة عن كوارث! لعل أكبرها كان النشيد الوطني! عندما طلب أحد المنظمين من الجماهير إنشاده كاملا كانت المفاجأة أن نصف الأصوات اختفت عندما وصلت النشيدة لمقطع: “يا مهد آلاء الألى كتبوا..“.. أما بقية المقاطع لم يرددها أحد لأن أحدا لم يكن يحفظه كما يبدو!

غالبية الصيحات التي ذكرتها إلى الآن كانت ترددها المجموعة التي سايرتها منذ البداية، المجموعة التي انضمت لها لاحقا، والتي ذكرت مسبقا أن صوتها كان أعلى و”أشد”، أضافت “للمكس” صيحة جديدة لم تكن تردد من قبل وهي صيحة… “لن نسمح لك!“. برأيي قد يكون ترديد هذه الصيحة أحد أسباب انقسام المجاميع لاحقا كما أوردت سابقا.

من الصيحات التي نستشف من خلالها انعدام الابداع هي صيحة “سلمية.. سلمية!“، فبالإضافة لكونها مستعارة من ثورات الربيع العربي فهي بحد ذاتها تخلو من أي أبداع لا باللحن ولا.. الكلمة.

ركزت على فكرة الابداع هنا لأني أرى الإبداع أحد أهم عناصر النهضة التي لا تقل أهمية عن عنصر التخطيط الذي أوردته بالنقطة السابقة، وأعيد القول أن كيف يمكننا أن ننهض بالأمة ونرتقي بهذا الشعب ونحن عاجزون عن إبداع “صيحة” عليها القيمة؟ أهازيجنا ما بين المجترة والمسروقة… ويا ليتنا حتى أتقنا النسخ بشكل حسن! الإبداع مرتبط بشكل كبير بالثقافة، لن نصبح أمة محترمة ما لم يكون لدينا مناهج تعلم أبناءنا الإبداع من الصغر بدل تعليمهم بالتلقين، و لن نصبح أمة راقية حتى نزيل الصدأ العالق برؤوسنا ونفهم أن الفن والأدب من ضروريات الشعوب وليسا كماليات يمكن العيش دونها.

أتريد أن تشاهد الإبداع في حتى في فن التظاهر؟ أنظر كيف يتظاهر الانجليز!

موضوع الإبداع يجرنا للحديث عن اللافتات والأعلام التي رفعها المتظاهرون، لفتت نظري بعض الأمور التي قد تكون مستغربة، أولا، ندرة هذه اللافتات والأعلام، كل المتواجدون في المسيرة سوى بضعهم المعدود آثروا رفع هواتفهم الذكية على رفع أي أعلام أو لافتات تعبر عن فكرهم أو توضح مطالباتهم، وحتى القلة القليلة من اللافتات مكتوبة إما بشكل مبهم أو بشكل مليء بالأخطاء اللغوية، والجدير بالملاحظة كذلك أن نسبة كبيرة من تلك اللافتات مكتوبة باللغة الإنجليزية.. وهذه خطوة عليها علامات استفهام وتعجب؟!

ماذا يعني أن تكون تسير بمسيرة تطالب فيها بالإصلاح في بلدك ولغة خطابك فيها أجنبية؟ هل رسالتك موجهة للغرب؟ هل تجد نفسك محتاجا للغرب أن يهب لمساعدتك للحصول على حقوقك؟ أم يفزع لحمايتك من خطر تحسه سيأتيك من الداخل؟ هل تحس بأنك وصلت لحالة من الضعف تجعلك تستنجد بالغريب ليعينك على القريب؟ وهل فقدت الأمل بذلك القريب وتقطعت بك السبل حتى وصلت لهذه المرحلة من اليأس؟ كيف تطالب بنظام ديموقراطي “كامل” تحكم فيه نفسك (وكأنك الآن يحكمك غريب) وأنت لا تستطيع أن توصل مطالبك دون واسطة الآخرين؟ وحتى إن كنت محقا في دعوتك الإفرنجية هذه… على الأقل أكتب مطالبك وعبر عن نفسك بالانجليزية بعد أن تراجع “البدليات” التي كتبتها!

الأعلام المحمولة قليلة كذلك وتراوحت بين أعلام الكويت.. والأعلام البرتقالية، أنا ضد حمل أعلام الكويت والهتافات “الوطنية” في المظاهرات والتجمعات على كل حال.

تقدير عدد الحشود

معضلتنا الدائمة هي حرب التصريحات بعد كل تجمع حول عدد الحضور، فتقديرات المنظمين تصفهم بمئات الآلاف.. وتقديرات الحكومة ببضع مئات! ووسائل الإعلام من ناحية أخرى تقدرهم بعد أن تلعب لعبة “حذره بذره”، بينما هناك نظريات علمية بسيطة يمكن استخدامها للحصول على تقديرات منطقية.

باستخدام إحدى النظريات الإحصائية وهي للدكتور هربرت جاكوبز يمكننا ببساطة وباستخدام أدوات مثل خرائط جوجل أن نقدر عدد الحشود عن طريق حساب مساحة التجمع، سأكتب كتبت عن تفاصيل هذه النظرية وغيرها من وسائل الإحصاء في هذا الموضوع، وسأترككم مع تقديري – المنطقي – ليس لعدد المجموعة التي كانت متواجدة قرب الأبراج بالضبط.. ولكن للسعة الاستيعابية لمكان التجمع، بمعنى آخر هذا الرقم هو أقصى عدد ممكن تواجده في المكان في وقت واحد، والرقم أقل بكثير كما نرى من الـ ٢٠٠ ألف التي قدرها بعض منظمي المسيرة (على فكرة، ٢٠٠ ألف يعني أقل قليلا من ربع الكويتيين!)

ملاحظات عابرة

فيما يلي مجموعة من المشاهد التي مرت علي ولا أستطيع أن أختم هذا المقال دون الإشارة لها أو التعليق عليها:

– أثار انتباهي استخدام بعض المنظمين للفظ “الحريم” عند حديثهم عن المجموعة النسائية، يعني “نطروا الحريم! وين الحريم؟ وصلوا الحريم؟ خففو السرعة علشان يلحقون الحريم!”

– تقسيم المجموعات في المسيرة كان لسبب ما حسب الدوائر الانتخابية، المجموعة التي بدأت المسير معها صدف أنها تجمع ناخبي الدائرتين الأولى والثالثة، من ضمن الأحاديث الجانبية الاستنكارية التي سمعتها قول أحدهم لصاحبه: “ألحين هذيل أكيد دائرة الأولى؟”

– من صيحات أحد المنظمين من المجموعة “المتحمسة” كانت صراخ إحدهم عليهم: “يالله شباب! الخامسة تناديكم!”

– سأكون شاعريا في هذه النقطة.. ولكني لم أستطع أن أخفي حرقة قلبي عندما اقترب التجمع من سور قصر دسمان وهم يهتفون “لن نسمح لك!” ، شعرت وكأن كلماتهم تلك قد يصل صداها إلى روح المرحوم جابر الأحمد التي تسمعهم من داخل قصره فتؤذيه!

– قبل خروج القوات الخاصة بقليل انتبهت لوجود تكتل بشري غير طبيعي ضمن الحشد السائر، وقفت معترضا سيرهم بكاميرتي (للحصول على لقطة “ووك باي”) لأكتشف بأن في قلب هذا التكتل يقف أحد النواب السابقين، متأبطا ذراع رجلين عن يمينه وشماله ويوزع الابتسامات والتلويحات يمنة ويسرة! ظهر بالتصوير واضحا لكني آثرت أن أخفي هوية هذا النائب السابق هنا أولا كي لا أعمل له دعاية، وثانيا حتى لا أتهم من أنصار هذا النائب وعشيرته بأني أستقصده شخصيا لا سمح الله.

– بعد أن بدأ ضرب القنابل الصوتية وتراجع الجموع إلى الوراء أحد التواجدين أخذ يصرخ بالمتراجعين غاضبا :”تعالوا!” ، ثم اقترب مني وهمس بصوت حان : “أي جريدة؟”

– وجود القوات الخاصة وتصرفاتهم ربما كانت مخيفة بالبداية، لكنها أثارت غضب وسخط الجماهير وكانت واضحة نظرات التحدي في عيونهم، لم يهرب الشباب من القوات الخاصة خوفا ولا جبنا ولا لضعف إيمان بقضيتهم (وإن كانوا لا يعرفون ما هي هذه القضية بالضبط)، لكنهم آثروا الانسحاب حفاظا على أرواحهم لأنهم مدركين بأن من يقف أمامهم لا يرحم كما علمتهم التجارب، كما أن هؤلاء الشباب باد عليهم الخير والطيبة ولم المح فيهم أي بادرة شر، طيلة المسيرة وهم فرحين مبتسمين بشوشين حريصين على بعضهم البعض. نعم هناك عيوب ومشاكل جمة صاحبت تنظيم وتنفيذ مسيرتهم، وأنا لم أكتب مقالي المطول هذا لأطعن بهم.. بل لأبين لهم ما وقعوا فيه من أخطاء علهم يتفادونها ويصلحونها، أخطاء بعضها بسيطة وأخرى فادحة، بعضها في أنفسهم التي عليهم إدراكها، وأخرى مفروضة عليهم وعليهم أن ينتبهوا لها.. والأمل معقود عليهم كي يصلحوها ولا ينقلوها لمن يأتي بعدهم من أجيال.

– مشهد التراجع الأخير كان محزنا بالفعل، الانكسار البادي على وجوه الشباب عبر لي عن خيبة أمل، والنظرات في عيونهم لم تخل من الحيرة، لا أدري مالذي كان هؤلاء الشباب يطمحون لتحقيقه، وبصراحة لا أعتقد بأن هناك أحد منهم يدري ما كان يريد أن يتحقق بنهاية هذه المسيرة، لكني متأكد بأن لا أحد منهم كان يأمل بأن تنتهي المسيرة بالشكل الذي انتهت فيه. أدبيات منظمي المسيرة ذكرت أنها تهدف لـ”استعادة سيادة الأمة المختطفة”، كيف ستحقق هذه المسيرة.. أو أي مسيرة أو تجمع أومهرجان أو ندوة هذا الهدف الكبير؟ بل كيف تستعاد سيادات الأمم عند خطفها؟ ألا يجب أن نعرف من هو الخاطف؟ ألا يجب أن ندرك إن كان بالإمكان خطف سيادة أمة أصلا؟ هناك العديد العديد من الأسئلة التي كان يجب أن تطرح وأن يجاب عليها قبل مجرد التفكير في تسيير المسيرة.

– أثناء مغادرتي المسيرة واجهت في طريقي بعض من “توهم يوصلون” المسيرة، يعني حتى مسيرة “كرامة” الوطن “يايينها” متأخرين ساعتين!

– كانت استراحتنا أنا وزوجتي بعد العناء الذي استمر ما يقارب الساعتين في ستاربكس دسمان، لم نكن وحدنا في المقهى فقد اصطبغ المكان باللون البرتقالي بعد توافد الجماهير المنسحبة إلى ملاذه 🙂

– تأكدت بعد هذه المهمة التصويرية بأن الكانون فايف دي مارك تو لا يعلى على أدائها بمثل هذه الظروف الصعبة، لكن من ناحية التشغيل كانت كابوسا حقيقيا! ضبط الصورة والصوت يدويا بالكامل أثناء مطاردة الحشود والهرب من النيران والقنابل أمر بغاية الصعوبة، بمعنى آخر… يبيلي كاميرة فيديو حقيقية جديدة 😀

– سيتم قريبا جدا إنتاج فلم تعليمي قصير حول التصوير الوثائقي من تقديم عذوب الشعيبي يتناول المسيرة كتطبيق عملي ويحتوي على العديد من الصور الجديدة من تصويرها.

بين الجمال والحال

والجمال ليس حاجة بل هو نشوة.
وما هو بفم عطشان، ولا يد ممدودة فارغة، إنما هو قلب مشتعل ونفس مفتونة.

وما هو بالصورة التي تود أن تراها، ولا الأغنية التي تود أن تسمعها، إنما هو صورة تراها وإن أغمضت العين، وأغنية تسمعها وإن سددت الأذن.

. . .

الجمال هو الحياة عندما تكشف عن وجهها القدسي.
ولأنتم الحياة، وأنتم الحجاب.

وهو الخلود يناظر وجهه في المرآة.
ولأنتم الخلود، وأنتم المرآة.

-جبران خليل جبران، النبي

الكلمات أعلاه هي طريقة جبران خليل جبران لقول المثل المستهلك “الجمال بعين الرائي” أو “Beauty is in the eye of the beholder“، معنى ذلك أن الجمال موجود بكل شيء حولنا إن أردنا نحن أن ننظر إليه، وأن من لا يجد حوله إلا القبح.. أو من يشعر بحاجة “للبحث” عن الجمال.. فعليه ببساطة أن يتوقف عن البحث عنه فيما حوله لأنه من الأسهل أن يستخرج الجمال المحبوس داخل نفسه.

لست فيلسوفا ولست أديبا للأسف، لذلك سأوقف الحديث عن أدب جبران وفلسفته، ولكني أفهم في أمرين: الثقافة البصرية والإتصال المرئي، لذلك سيكون هذا المجالان هما مرآتي التي أرى الجمال منعكسا عليها.

سأبدأ بالحديث عن دافعي لكتابة هذا المقال حتى تكون معي بالصورة، دافعي الأساسي هو هذا الفيديو:

ليس عليك أن تشاهد أغنية مشعل العروج كاملة، فقط أول دقيقة منها قد تجلب لك الإكتئاب (كما حصل معي)، شوارعنا وصخة، مشاريعنا وافقة، مدارسنا تعبانة، مطارنا يفشل، رياضتنا متأزمة، ثقافتنا انتهت، مجتمعنا مش طايء بعضه، ربعنا بالخليج سبقونا، ويالله لازم نتكاتف ونشد حيلنا ويبيلنا واحد سوبرمان قوي بس يتخذ قرار جريء ويحل كل هالمشاكل بجرة قلم! يعني كلام تويتر والدواوين كله تم اختصاره بخمس دقائق.. وأنا اختصرت لك إياه بسطرين.

شالمشكلة؟

ربنا ما يجيبش مشاكل 🙂 ليس هناك مشكلة (سوى حالة الاكتئاب التي أصابتني والتي زال جزء كبير منها بعد ما تغديت ولله الحمد)، فأنا متأكد بأن الأخ الفنان مشعل العروج والأخوة المشاركين في إنتاج هذا العمل لم يبذلو المال وهذا الجهد الذي يشكرون عليه إلا لوجود دافع حقيقي هو ما شحذ همتهم واستلها في وجه ما يشاهدونه ويسمعون به من مشاكل وأزمات متتالية مرت بالبلد، فجاء انعكاس هذا الواقع الذي عايشوه على شكل هذه الأغنية المصورة، لذلك نحن نحيي فيهم شعورهم واهتمامهم وهمتهم ولا نشكك بنواياهم الصادقة بإذن الله.

ولكن، السؤال هو: ما هي الفائدة المرجوة من هذا العمل؟ أو بمعنى آخر.. كيف سيساهم هذا العمل في حل المشاكل التي طرحت من خلاله؟

طبعا هناك جواب معلب حفظناه من أهل الفن والإعلام عند توجيه أي انتقاد للرسالة السلبية المصاحبة لما يقدمونه من أعمال، وهو أننا “نطرح مشاكل المجتمع بواقعية” وأن “تشخيص المشكلة هو نصف الحل“! (وإذا ضغطت عليه أكثر قالك “إللي مو عاجبه لا يطالعنا!”)، المشكلة في ذلك هي أن العموم لدينا بارعون بالتشخيص.. ليس هناك من هو أشطر منا في تشخيص المشاكل، ولكن من هو المسؤول عن النصف الثاني من العلاج… ما إلك إلا سوبرمان طبعا!

ذكرت في مواضيع الصورة الكبيرة و ما يهم بأن أساس الأزمة أو المشاكل التي أشبعناها تشخيصا يكمن في ثقافة مجتمعنا وليست في سياسته أو قادته، وذكرت كذلك بذات المواضيع بأنه إن كان هناك من حل لهذه الأزمات والمشاكل فهو يكمن في تغيير ثقافة هذا المجتمع، وذكرت بأن مفتاح تغيير الثقافة بيد صانعيها.. وهم المثقفون من الأدباء والفنانين والإعلاميين والمعلمين، ومشعل العروج والفريق المصاحب له هم من ضمن هؤلاء الفئة ونحن نحضهم ونشجعهم على الاستمرار وندعو غيرهم للاقتداء بهم، ولكن ما هو أهم من ذلك هو محاولة توجيههم نحو الأساليب الأمثل لتجاوز “التشخيص” والوصول لمرحلة العلاج.. بل ولتجنب تحول هذه الأعمال إلى وباء آخر قائم بذاته.. وهو وباء السلبية!

ما هي أصعب الأزمات التي يمكن أن تحل بأي مجتمع؟

إحصاء المشاكل والأزمات لا ينتهي.. ولكن بالتأكيد الحروب تعتبر من أشدها، أليس كذلك؟ لننظر في سجل التاريخ المرئي (بحكم أن هذا هو تخصصي) ونبحث أقوى الإعلاميات المرئية التي ألهمت الشعوب للنهوض من أزماتها وحزنها ودفعتها للتخلص من ما يحيط بها من مشاكل.. خاصة في وقت الحروب.

عندما دخلت بريطانيا الحرب مع ألمانيا أيام الحرب العالمية الأولى (١٩١٤) ما دفع الشباب للانخراط بالجيش للدفاع عن وطنهم ودحر قوى دول المحور لم يكن صور الشهداء أو المعذبين الدمار الذي أصاب أوربا، بل الرسالة التي اختارت وزارة الدفاع البريطانية توجيهها لشباب الوطن كانت بتصويرهم هم كمحور للتغيير والنهوض بوطنهم من خلال تبيان حاجة هذا الوطن لهم، هي إذن محاولة لتحميل الشباب -كل واحد منهم- مسؤولية الدفاع عن الوطن.. وعن الملك!

كمثال آخر ننتقل للحرب العالمية الثانية وللولايات المتحدة مع بوستر We Can Do It الشهير، وجه لنساء الوطن للمشاركة في المجهود الحربي من خلال النشاط الإيجابي، و من ثم (خلال الثمانينات) استغل لإبراز قوة العمل النسوي.. إيضا بإيجابية بدلا من الاكتفاء بالتحلطم والتباكي على وضع المرأة الاجتماعي.

freekuwait

أي حملة إعلامية ناجحة يجب أن تتوفر فيها شروطا علمية وتسبقها دراسة مستفيضة للمشكلة التي تعالجها وللجمهور المستهدف من ورائها والأدوات المستخدمة فيها ونغمة الصوت المناسبة لها، أي أن الأمر ليس مجرد كلمتين ونغمتين وصورتين يعبرون عن “آلامنا وأحاسيسنا” وانتهى الأمر! الطرح العاطفي قد يكون مفيدا في الكثير من الأحيان.. فلا شيء يكسب تعاطف الشعوب أكثر من إثارة أحاسيسهم ومشاعرهم، نحن ولله الحمد ليس هناك من هو أشطر منا في إثارة العواطف.. ما ينخاف علينا من هذه الناحية، لكن إثارة العواطف يجب أن يتبعه استنهاض للهمم من أجل تحريك المجتمع نحو الهدف بإيجابية، عندما تثير عواطف شخص ما عن طريق طرح المشاكل والمآسي ومن ثم تتركه لحال سبيله فإنك لن تدفعه إلا لمزيد من اليأس والإحباط، يعني جل ما ستدفعه لفعله هو أن يرفع يده للسماء ويقول “يالله سهل علينا”! لماذا؟ لأنك لم تطلب منه -بوضوح- أن يفعل غير ذلك أولا.. ولم تحثه حتى لأن يفكر بنفسه بحل للمشكلة التي ألقيتها على عاتقه، هناك فرق بين أن تقوم بعمل مظاهرة أو مسرحية أو تقدم أغنية أو بوسترا يثير عواطف المتلقي قليلا ويهيئه لتلقي رسالتك، ولكن في نفس الوقت يجب أن يكون عنوان عملك الأشمل ورسالته الأساسية هي استنهاض همة هذا المتلقي للقيام بعمل محدد يوافق ما حددته أنت مسبقا كرسالة لحملتك، وهذا لا يمكن أن يتم بالإثارة العاطفية دون أن يكون هناك منهج إيجابي واضح وهدف تطلبه من المتلقي مباشرة، لا تتوقع من عموم جمهورك أن يستنتج ما تريده منه بنفسه.. أنت من يجب عليك أن تأخذ بيده وتريه الطريق الذي تود أن يسير فيه! (في حالة كان جمهورك صغيرا وتستطيع ضمان عقليته ومستوى تفكيره فالأمر مختلف)، ما لم تكن واضحا في هدفك فأنت لا تخاطر بضياع جهدك وحسب.. بل تخاطر بزيادة الأمر سوءا عن طريق نشر السلبية والإحباط في صفوف جمهورك! بمعنى آخر (برأيي الصريح جدا) من الأفضل -للمصلحة العامة- أن لا تقدم شيئا يخص الوطن أو المجتمع أو الأمة على أن تقدم شيئا غير محترف وغير مدروس قد يسبب ضررا أكثر من النفع! جادلني في ذلك إن لم يعجبك كلامي.

حلول

كتبت قبل فترة على حسابي في تويتر بأن لدي الكثير من المواضيع التي أثارتني وكانت تدفعني للكتابة عنها في مدونتي، ومدونتي بحاجة للنشاط الذي شبه توقف منذ أن وصلت مستقرا في الكويت من بريطانيا، ولكني كنت أمتنع عن كتابة هذه المواضيع عن عمد لأن أغلب المواضيع التي كانت تثيرني هي مواضيع سلبية.. وأنا أرفض أن تكون أولى مواضيعي الكويتية مواضيع “تحلطم”! (طبعا أنا كتبت كل هالكلام بأقل من ١٤٠ حرفا.. مادري شلون!) ، فأشار علي أخي مساعد برأي حكيم وهو أنه لابأس من طرح المشاكل بغرض دراستها ومن ثم اقتراح حلول لها 🙂

المشكلة الرئيسية التي طرحتها من خلال موضوعي هذا هي السلبية، علاج سلبية المجتمع بسيط… وهو نشر الإيجابية 🙂 ونشر الإيجابية مجهود جماعي ليس بالهين لأن مدمنو “الغلقة” في مجتمعنا كثر… والمقتاتون على هذا الإدمان لا ينفكون عن تغذيته بالمزيد من جرعات الكآبة المركزة، تصفح أي جريدة أو شاهد أي قناة عربية أو تابع هاش تاق #كويت وستكتشف ذلك بنفسك، لذلك فالطريق طويل.. ولكن العدة جاهزة والعتاد متوفر والحمد لله.

الإيجابيون وأصحاب الإنجازات في البلد كثيرون ولا يحتاجون إلا لأن يتعرفو على بعضهم البعض ويتعاونو فيما بينهم من أجل أن تصل رسائلهم لشريحة أكبر من المجتمع، ففي الوقت الذي يشتكي فيه العروج من تدني ثقافتنا فإني على العكس من ذلك.. أعاني من ضيق الوقت منذ أن وصلت للكويت لأني “مو ملحق” على المعارض الفنية والندوات والملتقيات الثقافية التي بودي أن أزورها وأشارك بها.. وليس في ذلك مبالغة! لكن المشكلة بأن الضوء لا يسلط على هذه الأنشطة بالشكل الكافي إعلاميا.. وبسبب ضعف التنسيق بين الجهات المنظمة لهذه الأنشطة الثقافية (باعتراف أهلها!)، كمثال آخر الرياضة تعاني من مشاكل.. صحيح.. ولكن رغم ذلك فالإنجازات الرياضية لم تنقطع.. ولكن أخبار الخلافات والتدخلات السياسية (وهي لا تهمني بالمرة ولا أعرف تفاصيلها ولا أريد ذلك) هي الطاغية لأن بيعها إعلاميا أسهل.

إن كنت قد قرأت كلامي ووصلت حتى هذه السطور الأخيرة (وما زلت تذكر الأولى) فأنت لست ممن لا يرون حولهم إلا القبح، فهؤلاء لم يصلو إلى نصف الكلام المكتوب حتي قالوا “شهالكلام المثالي الفاضي!” أو “إنت تقرق وايد” فملوا وتوقفوا عن القراءة وتوجهوا إلى متابعة “المثيرات” من الأخبار والقصص، لكنك بالتأكيد ممن يجدون الجمال في أنفسهم فيكونون هم انعكاسه ومرآته كما يقول جبران، واستشفاف الجمال وعكسه للغير هو منتهى الإيجابية، عندما تحدثت سابقا عن دور المثقفين والأدباء والفنانين في إثراء ثقافة المجتمع والنهوض به فإني لم أقصد بأن الجميع يجب أن يوجه ثقافته وفنه من أجل قضايا الوطن ومشاكله! هذا هو عكس ما أقصده تماما!! فهذا التوجيه (بطريقة العروج حسنة النية) يعيد تركيز المجتمع على مشاكله وبالتالي “يجذبها” له مجددا.. وإن كانت رسالة العمل تدعو لحب الوطن أو نبذ الطائفية! (أدعو وبشدة لقراءة موضوع الصورة الكبيرة لمن لم يقم بذلك من أجل أن يتضح المقصود من هذه الجملة)، لا توجه ثقافتك وفنك إلا لنفسها! أبرز إحساسك الشخصي بالجمال أينما كان وبأي صورة ظهر، لا يجب أن تكون الأغنية “وطنية” كي “ينتفع” منها الوطن، ولا يجب أن يكون الشعر “وطنيا” أو التشكيل “وطنيا” أو العلم “وطنيا” كي ينتفع الوطن، أبدع بمجالك وارتق بفنك وثقافتك وانشر الجمال بين الناس.. حينها سيفرح الوطن وسيفرح من يعيش على أرض الوطن وسينهض الشعب بنفسه ويحارب مشاكله بنفسه ويبني عزه ويعيد مجده بنفسه.