أرشيف الوسم: Media

وهم الأمان

 

جانب من المعزين لأهالي ضحايا تفجير مسجد الإمام الصادق في الصوابر، مسجد الدولة الكبير، الكويت، ٢٧ يونيو ٢٠١٥
جانب من المعزين لأهالي ضحايا تفجير مسجد الإمام الصادق في الصوابر، مسجد الدولة الكبير، الكويت، ٢٧ يونيو ٢٠١٥

 

لا شماتة بالموت أو بالمصائب! تلك حقيقة لا خلاف عليها. فلا يرجى لضحايا أي مصيبة إلا الرحمة، ولا للمصابين بها إلا الشفاء، ولا لأهلهم إلا الصبر والأجر. نعم نتعاطف مع الضحية، ونغضب على المجرم، كما نفرح للخير الذي نراه في الناس، ونعتز بصدق وصلابة الموقف. لكن تلك المشاعر وحدها لا تكفي!

 

المسجد الكبير

 

الحزن والغضب والحماس تبقى بالنهاية ردود أفعال طبيعية على حدث كالذي أصاب الكويت، نعبر بها ونتقبلها… لكن لا يجب أن نكتفي بها! وأقول بأنها طبيعية لأنه واقعيا وتاريخيا دائما ما يتكاتف الناس وقت الأزمات والمحن ويتوحدون إذا ما شعروا بوجود خطر خارجي مسلط عليهم، لذلك رغم فرحتنا بهذا التكاتف والتوحد فلا يجب أن نعول عليه الكثير أو نعتبره الحصن المنيع الذي سيظل يحمينا إلى أبد الآبدين! فلابد لنا من القراءة والتحليل والتفسير والتقييم لما حدث ويحدث لنا ومن حولنا، تلك هي خطوات النقد السليمة، وهي كما نرى خطوات عقلية لا مجال فيها للعواطف. إن كنت ترفض إشغال ذلك العقل الناقد القابع في رأسك فلا تتابع بقية كلامي… يمكنك أن تكتفي بمتابعة قنوات الإعلام المحلية!

 

مدخل المسجد الكبير

 

على العقل الناقد أن يسأل: هل ما حدث كان مفاجأة غير متوقعة؟ هل نحن محصنون عما يدور حولنا من عنف؟

لست مسرورا على الإطلاق بقولي أننا كنا، وربما ما زلنا، نعيش في وهم الأمان!

وهم الأمان الذي أتحدث عنه برأيي نابع من مصدرين أساسيين:

١) نفاق اللحمة الوطنية
٢) الأمن المستأجر

نفاق اللحمة الوطنية بدأت الحديث به قبل أربع سنوات تقريبا، وأطلق عليه صفة النفاق هنا لأن ما نراه ونسمعه ونحسه إنما هو لحمة وطنية ظاهرية مبنية على أسس خاطئة، وقد تحدثت عن نفاق اللحمة الوطنية بتدوينة صوتية ومقال بعنوان الصورة الكبيرة، وهو المقال الذي كون أساس كتابي الذي يحمل نفس العنوان.

والحديث عن مقال وكتاب الصورة الكبيرة يسحبنا لقاع مستنقع النفاق الذي نعوم فيه!

فعندما حاولت – كما فعل غيري – مناقشة الأساس الثقافي لمشاكلنا الحقيقية كالطائفية والفساد وثقافة العنف وغيرها من أمراضنا الثقافية… أُمِرت بالسكوت! فكما يعرف بعضكم تم منع كتابي من قبل إدارة الرقابة بوزارة الإعلام الكويتية بحجة “الإساءة للقبائل” التي وجهت لمقال الصورة الكبيرة بالذات، ولغيرها من الأسباب التي لم يفصح عنها إلى الآن، ولكم أن تقرأوا المقال وتحكموا إن كان فيه أي إساة… أم أنه يقدم علاجا للإساءات! الحقيقة هي أن الرقيب – وما يمثله هذا الرقيب – اختار أن يدس رأسه بالتراب عوضا عن مجابهة المشاكل.

A photo posted by Moayad H (@moayadcom) on

 

إحنا ما عندنا هالسوالف… إحنا بخير… إحنا أحسن من غيرنا…”…
إنت قاعد تثير الفتن… إنت قاعد تشوه صورة الكويت… إنت تسيء لمجتمعنا!

تلك هي الجمل التي يجابه بها كل من يحاول أن يكشف على عقلنا المريض، يُطرد الطبيب… يقيد… يكمم… ويترك المرض ليستشري، لأنه عيب ننكشف… واخزياه! فعوضا عن تشخيص المرض وعلاجه يتم وخز المريض بإبر المورفين المخدرة… لأن ذلك أريح له ولنا، ونحن شعوب تعشق الراحة ومغرمة بالبحث عن الأسهل. إبر المورفين تأتي بعدة أشكال، على شكل شعارات أحيانا، أو أغان، أو خطب أو مواعظ دينية. تجد روشتة المورفين موصوفة بدقة بمقال الصورة الكبيرة، وتراها حية وتسمعها وتقرأها يوميا بالقنوات الإعلامية المحلية… خاصة الرسمية منها. وهل هناك أجمل من ذلك المورفين الثقافي لمن يبغي العيش في وهم الأمان؟

اسمحولي على التشبيه الدامي التالي…

طريقة تعاطي مسؤولينا – ومن يتبعهم ويتأثر بهم – مع ما يحدث لوطننا يذكرني بهذا المشهد من فلم Saving Private Rayan، نرى في هذا المشهد الدرامي طبيب السرية وقد أصيب بطلق ناري في كبده، ومن حوله زملاؤه الحائرون عاجزون عن مساعدته 🔞:

(المشهد قد لا يصلح لأصحاب القلوب الضعيفة… ولا للجبناء الهاربين من مواجهة الواقع!)

 

لا أدعو هنا لليأس والاستسلام! بل بالعكس… أدعو لمجابهة المرض وعلاج الجرح… وإعادة حقن المورفين إلى مخازنها! أدعو للصحوة من الأوهام، لكشف الحقائق، لإعطاء الطبيب فرصة للعلاج… الطبيب الحقيقي المتخصص وليس الدجال والمشعوذ… أو الملّا! بل وأطلب أن يعطى ذلك الطبيب الحرية والأمان ليمارس تطبيبه… فلا يمكن للطبيب أن يعالج والقيود تكبل يديه والسيف مسلط على رقبته! وأطلب أن يترك المريض الحياء عنه وينكشف… ليس هذا وقت “الكسوف“! … ثم يبدأ العلاج.

ثقافة الشطارة

حارة الإمان

سؤال يردده الكثيرون… لماذا لا نحترم القانون والنظام في بلادنا؟ لماذا في “الغرب” تحترم تلك النظم والقوانين ولدينا لا؟ هل هي نزعة “شر” مزروعة بداخلنا؟ هل ذلك يرجع لكوننا شعوبا “متخلفة” لم تصل للتقدم الحضاري الذي وصل له الآخرون؟ أم أن الآخرون أشد حزما بتطبيق القانون وفرضه على شعوبهم؟من خلال ملاحظتي وتفكري الطويل بمجتمعنا وسلوكياته لا أظن إطلاقا بأن عدم احترامنا للنظم والقوانين يرجع لكوننا أشرارا أو سيئين أو منحرفين، وهو أيضا أمر ليس له علاقة بالوازع الديني لدينا كما قد يعتقد البعض، فالتدين موجود ومنتشر ونرى دلائله في كل مكان حولنا، وحتى التناقض بين التدين وانحراف السلوك لا يمثل دليلا على نفاق بداخلنا، كما أنه لا داع لذكر أن بعض الشعوب التي لا تعترف بالدين أساسا لديهم التزام بالقانون أكثر منا، فباعتقادي ومن خلال ملاحظتي أرى بأن عدم احترام النظام والقوانين لدينا ليس مرتبطا بالدين قدر ارتباطه بخلل ثقافي متفش لدينا.ذلك الخلل الثقافي لا ينتشر لدينا ككويتيين أو عرب فقط، بل منتشر في العديد من الدول التي كانت أو مازالت مغلوبة على أمرها ولم تطلها يد النهضة، ذلك الخلل الثقافي المسبب للاستهتار بالنظم والقوانين يرجع لانتشار ما أطلقت عليه اسم ثقافة الشطارة، فما هي هذه الثقافة؟

متابعة قراءة ثقافة الشطارة

إحصاء التجمعات البشرية بالطرق العلمية

تقدير عدد الحشود والتجمعات البشرية هو علم معقد يعتمد على أجهزة مراقبة حديثة وعمليات حسابية معقدة للحصول على أرقام تقارب الأعداد الحقيقية المحصاة، في العديد من الدول المتقدمة هناك مؤسسات متخصصة في عملية تقدير الحشود تستعين بها وسائل الإعلام والأجهزة الأمنية ومنظمي الحفلات والمناسبات وغيرهم، تستخدم تلك المؤسسات لأداء وظيفتها أدوات مثل التصوير الجوي وصور الأقمار الصناعية وأجهزة التصوير الحراري وغيرها، لكن حتى دون جميع هذه الأدوات هناك نظريات إحصائية يمكننا استخدامها لتقدير عدد الحشود بشكل إن لم يكن دقيقا فمنطقي.

معضلتنا الدائمة في الكويت – والدول العربية عامة – هي حرب التصريحات بعد كل تجمع والتي تدور حول عدد الحضور، فبينما تقديرات منظمي التجمعات السياسية بالذات ومن يؤيدهم تصل إلى مئات الآلاف نجد تقديرات الحكومة تصفهم ببضع مئات! ووسائل الإعلام من ناحية أخرى تقدرهم بعد أن تلعب لعبة “حذره بذره“!

باستخدام إحدى النظريات الإحصائية التي وضعها الدكتور هربرت جاكوبز يمكننا ببساطة وباستخدام أدوات مثل خرائط جوجل أن نقدر عدد الحشود عن طريق حساب مساحة التجمع، بالإضافة للمساحة فإن هذه الطريقة تتطلب تقدير كثافة المتواجدين في التجمع ومن ثم تقسيم المساحة على الكثافة للحصول على عدد الأفراد المتجمعين، بما أن الحشود عادة لا تكون موزعة علي المساحة بشكل متساو فإن الطريقة الأدق هي بتقسيم التجمع إلى مساحات أصغر كل حسب كثافة المتواجدين فيها ومن ثم تقدير الحضور في كل مجموعة وجمعهم للحصول على العدد الكلي، الرسم التالي يوضح عملية التقسيم تلك.

كثافة التواجد عبارة عن عدد تقديري، فالمناطق ذات الكثافة البسيطة تحوي فرد واحد لكل ١٠ أقدام مربعة، مناطق الكثافة العالية تحوي فردا لكل ٤ ونصف قدما مربعا، أما في حالة التصاق الحشود ببعضها فإن الكثافة هي فرد لكل ٢ ونصف قدم مربع.

تجمع الأبراج

كما ذكرت عند الحديث عن مشاهداتي في مسيرة كرامة وطن في مقالي السابق قدرت المشاركين بالمسيرة بأنه لا يمكن أن يتجاوز عددهم ٥٨ ألف شخص، للحصول على هذا العدد احتجت لتقدير مساحة التجمع أولا، للحصول على مساحة التجمع استخدمت أداة لحساب المساحة باستخدام خرائط جوجل لأحصل على المساحة المذكورة بهذا الرسم:

لا تتوفر صورة جوية واضحة للتجمع للأسف، لكني كنت متواجدا على الأرض وأعلم جيدا المساحة التي توقفت عندها المسيرة واجتمع بها الحشدان وهي المظللة بالصورة أعلاه، حد التجمع من الشرق إشارة تقاطع شارع الخليج مع شارع السور ومن الغرب حاجز القوات الخاصة، يلاحظ هنا أن التواجد بالقرب من حاجز القوات الخاصة أكبر لأن المسيرة توقفت عندها عن الحركة.. بينما عدد المتواجدين بالخلف كان أقل.

لم أستطع حساب التواجد على شكل مساحات أصغر بكثافات مختلفة كما بالطريقة العلمية، لكني اعتبرت أن الكثافة واحدة وموزعة على مساحة التجمع الرئيسية ككل، تجاهلت من ناحية أخرى المساحات التي احتوت على أعداد ضئيلة من الناس كالمطاعم أو المساحات المحتوية على الأشجار، أي أني بالنهاية قدرت أن الحشد عبارة عن كتلة كبيرة واحدة ذات كثافة عالية، يعني حاولت الموازنة بين المبالغة بتقدير كثافة الحشد مقابل تجاهل مساحاته ذات الكثافة الأقل، يمكن القول كذلك أن المساحة التي حددتها ستحتوي التجمع ككل لو اجتمع جميع حضور المسيرة ككتلة واحدة.. وربما تزيد قليلا.

نسبة الخطأ في حالة الحسبة العلمية التي ذكرتها بالأعلى هي ١٠٪ .. في حسبتي سأعتبرها ١٥٪.

الآن، لنحسب مرة أخرى:

مساحة التجمع = ٢٦٢٣١٣ قدم مربع
معدل الكثافة (العالية) = فرد واحد لكل ٤ ونصف قدم مربع

عدد الحضور = ٢٦٢٣١٣ / ٤.٥ = ٥٨٢٩٢ فردا

إن طبقنا نسبة الخطأ نستطيع القول بأن تقدير التجمع عند الأبراج الذي تواجد للمشاركة في مسيرة كرامة وطن هو ما بين ٤٩ ألف إلى ٧٦ ألف شخص، قد يكون أقل من ذلك ولكن مستحيل أن يكون أكثر.

ساحة الإرادة

من التساؤلات المطروحة دائما هي عدد الحضور في ما يسمى بساحة الإرادة لكونها إحدى نقاط التجمع المعروفة بالكويت، عند استخدام نفس الطريقة المذكورة أعلاه يمكننا أن نضع تقديرا للقدرة الاستيعابية لساحة الإرادة، والقدرة الاستيعابية تعني الحد الأقصى من التجمع الذي يمكن للمساحة أن تحويه، وحسبة ساحة الإرادة قد تكون أسهل لأنها أقل مساحة ولأن الحضور فيها ثابث (واقف أو جالس في مكانه).

إذن العدد الأقصى لحضور ساحة الإرادة لا يمكن أن يتجاوز ٢٨ ألف فرد، قارن هذا الرقم مع الأرقام التي نسمعها عادة من منظمي التجمعات ومؤيديهم! قد يقول قائل بأن الحضور قد يكون متواجدا على مساحة أكبر من المبينة على الخريطة، وكما في حالة تجمع الأبراج فإن من سيتواجد خارج المنطقة المحددة يمكنتجاهلهم لأن التواجد الخفيف في منطقة مواقف السيارات مثلا أو خلف الساحة يمكن تجاهله لأننا اعتبرنا المنطقة الوسطى منطقة كثافة عالية، وعلى كل حال إن حصل في المستقبل أن فاض عدد الحضور عن المساحة المقدرة أو نقص فيمكن اعتبار هذا التقدير كمرجع منطقي لنسبة الزيادة أو النقص.

انتبه لزاوية التصوير!

لماذا نشعر بأن العدد أكبر من ذلك؟

هناك عوامل نفسية واجتماعية عديدة تجعنا نشعر بأن عدد الحضور أكبر بكثير من ما هو عليه بالواقع، وجودك وسط الحشد.. خاصة إن صاحبه أصوات عالية وهتافات جماعية.. يملأ نفسك بنوع من الرهبة مما يحدك لإعطاء الجمع تقديرا أكبر مما هو عليه، وهذه مسألة يسأل عنها أهل الاختصاص لمن أراد الاستزادة.

إن لم تكن موجودا مع الحشد ولكن شاهدته في صورة أو فيديو فإن زاوية التصوير هنا تلعب دورا هاما في تقديرك للعدد، التصوير الجوي يعطينا تقديرا أفضل للعدد كما ذكرت أعلاه لأنه يمكن أن يظهر لنا التجمع ككل مع ما يحويه من فراغات ومساحات محيطة به، لكن التصوير عن قرب يمكن أن يخدعنا حسب زاوية الصورة وتأطيرها، فيمكنني كمصور أن أصور عشرين شخصا بزواية مناسبة وتأطير ضيق فيبدو للمشاهد وكأن العدد ضخم (وهذه الطريقة نستخدمها أحينا لتصوير جمهور الندوات علشان يعني شوفوا يوونا ناس وايد :grin: ) ، ويمكنني أن أصور مئة شخص من بعيد أمامهم شارع فارغ وبينهم مسافات ليبدوا التجمع ضئيلا، الأمر بالنهاية نفسي ويعتمد على شطارة (أو خباثة) المصور والمحرر الذي يختار الصور ليرفقها بالخبر (أو التويت).

مسيرة كرامة وطن من زاوية أخرى، أين عشرات الألوف؟

مسيرة كرامة وطن من زاوية أخرى، أين عشرات الألوف؟

هناك طبعا الأسباب السياسية التي تضخم الأعداد أو تستخف بها، من يستفيد من مضاعفة الرقم لن يتردد في ذلك ومن يستفيد من تقليله سيفعل، وبالإضافة لعدم استخدام الطرق العلمية لتقدير عدد التجمع وتفاوتها لدى وسائل الإعلام نجد من ينقل هذه الأرقام يستخدم الأرقام المعلنة الأقرب لقلبه من أجل نشرها، فإن كان مؤيدا للمسيرة مثلا فسيبحث عن الجريدة أو الوكالة التي قدرت العدد أكبر تقدير ليستشهد بكلامها… والعكس صحيح.

ما يهمنا الآن هو أن تستخدم عقلك ولا تصدق أي رقم من أي تصريح أو خبر تسمعه، لا أقول بأنه عليك بعد كل تجمع أن تفتح خرائط جوجل وتحسب المساحة والكثافة! ولكن يكفي أن تتعلم أن لا تثق بـ”حيالله” رقم تسمعه… خاصة من منظمي التجمعات أو من الإعلام الحكومي!

بل لا تعتمد حتى على حسبتي وأرقامي التي أوردتها في تدوينتي هذه!! نريد جمهورا واعيا مفكرا ناقدا يستخدم عقله وتقديره ومنطقه في نقد كل ما يسمع أو يقرأ أو ينقل له، لا نريد جمهور يقتات على “الرتويت” و “البرودكاست” دون تحقق أو تفكر، لا تعتمد حتى على أستاذنا الدكتور طارق السويدان! (وأنا هنا لا أخشى ذكره بالإسم لأني ما زلت أعز هذا الإنسان الذي التقيت به وتعرفت على شخصيته عن قرب) فقد يكون الدكتور طارق نقل الرقم من مصدر خاطئ ولم يكلف نفسه التحقق منه (لكن الرقم بالتأكيد أعجبه :) ) والأدهى أن ينقل كلامه من بعد ذلك أكثر من ١٧٥٠ شخص أيضا دون تحقق واعتمادا على “شخصية” الدكتور، الأدهى والأمر من ذلك هو أن الحصول على معلومة غير منطقية كهذه من شخص كالدكتور طارق تجعلنا نشك حتى ببقية المعلومات التاريخية التي طالما أتحفنا بها بكتبه وتسجيلاته! لذلك أتمنى أن يتراجع الدكتور طارق عن تصريحه هذا حتى تطمئن قلوبنا على ما وصلنا منه لحد الآن، وأتمنى أن تصل له كلماتي هذه التي لم أذكرها للإساءة لذاته التي أكن لها التقدير والاحترام، ولكني أذكرها لتبيان وجهة نظر مفادها تقديم العقل على الأشخاص والمنطق على العواطف في كافة أمور حياتنا الدنيوية.

بين الجمال والحال

والجمال ليس حاجة بل هو نشوة.
وما هو بفم عطشان، ولا يد ممدودة فارغة، إنما هو قلب مشتعل ونفس مفتونة.

وما هو بالصورة التي تود أن تراها، ولا الأغنية التي تود أن تسمعها، إنما هو صورة تراها وإن أغمضت العين، وأغنية تسمعها وإن سددت الأذن.

. . .

الجمال هو الحياة عندما تكشف عن وجهها القدسي.
ولأنتم الحياة، وأنتم الحجاب.

وهو الخلود يناظر وجهه في المرآة.
ولأنتم الخلود، وأنتم المرآة.

-جبران خليل جبران، النبي

الكلمات أعلاه هي طريقة جبران خليل جبران لقول المثل المستهلك “الجمال بعين الرائي” أو “Beauty is in the eye of the beholder“، معنى ذلك أن الجمال موجود بكل شيء حولنا إن أردنا نحن أن ننظر إليه، وأن من لا يجد حوله إلا القبح.. أو من يشعر بحاجة “للبحث” عن الجمال.. فعليه ببساطة أن يتوقف عن البحث عنه فيما حوله لأنه من الأسهل أن يستخرج الجمال المحبوس داخل نفسه.

لست فيلسوفا ولست أديبا للأسف، لذلك سأوقف الحديث عن أدب جبران وفلسفته، ولكني أفهم في أمرين: الثقافة البصرية والإتصال المرئي، لذلك سيكون هذا المجالان هما مرآتي التي أرى الجمال منعكسا عليها.

سأبدأ بالحديث عن دافعي لكتابة هذا المقال حتى تكون معي بالصورة، دافعي الأساسي هو هذا الفيديو:

ليس عليك أن تشاهد أغنية مشعل العروج كاملة، فقط أول دقيقة منها قد تجلب لك الإكتئاب (كما حصل معي)، شوارعنا وصخة، مشاريعنا وافقة، مدارسنا تعبانة، مطارنا يفشل، رياضتنا متأزمة، ثقافتنا انتهت، مجتمعنا مش طايء بعضه، ربعنا بالخليج سبقونا، ويالله لازم نتكاتف ونشد حيلنا ويبيلنا واحد سوبرمان قوي بس يتخذ قرار جريء ويحل كل هالمشاكل بجرة قلم! يعني كلام تويتر والدواوين كله تم اختصاره بخمس دقائق.. وأنا اختصرت لك إياه بسطرين.

شالمشكلة؟

ربنا ما يجيبش مشاكل 🙂 ليس هناك مشكلة (سوى حالة الاكتئاب التي أصابتني والتي زال جزء كبير منها بعد ما تغديت ولله الحمد)، فأنا متأكد بأن الأخ الفنان مشعل العروج والأخوة المشاركين في إنتاج هذا العمل لم يبذلو المال وهذا الجهد الذي يشكرون عليه إلا لوجود دافع حقيقي هو ما شحذ همتهم واستلها في وجه ما يشاهدونه ويسمعون به من مشاكل وأزمات متتالية مرت بالبلد، فجاء انعكاس هذا الواقع الذي عايشوه على شكل هذه الأغنية المصورة، لذلك نحن نحيي فيهم شعورهم واهتمامهم وهمتهم ولا نشكك بنواياهم الصادقة بإذن الله.

ولكن، السؤال هو: ما هي الفائدة المرجوة من هذا العمل؟ أو بمعنى آخر.. كيف سيساهم هذا العمل في حل المشاكل التي طرحت من خلاله؟

طبعا هناك جواب معلب حفظناه من أهل الفن والإعلام عند توجيه أي انتقاد للرسالة السلبية المصاحبة لما يقدمونه من أعمال، وهو أننا “نطرح مشاكل المجتمع بواقعية” وأن “تشخيص المشكلة هو نصف الحل“! (وإذا ضغطت عليه أكثر قالك “إللي مو عاجبه لا يطالعنا!”)، المشكلة في ذلك هي أن العموم لدينا بارعون بالتشخيص.. ليس هناك من هو أشطر منا في تشخيص المشاكل، ولكن من هو المسؤول عن النصف الثاني من العلاج… ما إلك إلا سوبرمان طبعا!

ذكرت في مواضيع الصورة الكبيرة و ما يهم بأن أساس الأزمة أو المشاكل التي أشبعناها تشخيصا يكمن في ثقافة مجتمعنا وليست في سياسته أو قادته، وذكرت كذلك بذات المواضيع بأنه إن كان هناك من حل لهذه الأزمات والمشاكل فهو يكمن في تغيير ثقافة هذا المجتمع، وذكرت بأن مفتاح تغيير الثقافة بيد صانعيها.. وهم المثقفون من الأدباء والفنانين والإعلاميين والمعلمين، ومشعل العروج والفريق المصاحب له هم من ضمن هؤلاء الفئة ونحن نحضهم ونشجعهم على الاستمرار وندعو غيرهم للاقتداء بهم، ولكن ما هو أهم من ذلك هو محاولة توجيههم نحو الأساليب الأمثل لتجاوز “التشخيص” والوصول لمرحلة العلاج.. بل ولتجنب تحول هذه الأعمال إلى وباء آخر قائم بذاته.. وهو وباء السلبية!

ما هي أصعب الأزمات التي يمكن أن تحل بأي مجتمع؟

إحصاء المشاكل والأزمات لا ينتهي.. ولكن بالتأكيد الحروب تعتبر من أشدها، أليس كذلك؟ لننظر في سجل التاريخ المرئي (بحكم أن هذا هو تخصصي) ونبحث أقوى الإعلاميات المرئية التي ألهمت الشعوب للنهوض من أزماتها وحزنها ودفعتها للتخلص من ما يحيط بها من مشاكل.. خاصة في وقت الحروب.

عندما دخلت بريطانيا الحرب مع ألمانيا أيام الحرب العالمية الأولى (١٩١٤) ما دفع الشباب للانخراط بالجيش للدفاع عن وطنهم ودحر قوى دول المحور لم يكن صور الشهداء أو المعذبين الدمار الذي أصاب أوربا، بل الرسالة التي اختارت وزارة الدفاع البريطانية توجيهها لشباب الوطن كانت بتصويرهم هم كمحور للتغيير والنهوض بوطنهم من خلال تبيان حاجة هذا الوطن لهم، هي إذن محاولة لتحميل الشباب -كل واحد منهم- مسؤولية الدفاع عن الوطن.. وعن الملك!

كمثال آخر ننتقل للحرب العالمية الثانية وللولايات المتحدة مع بوستر We Can Do It الشهير، وجه لنساء الوطن للمشاركة في المجهود الحربي من خلال النشاط الإيجابي، و من ثم (خلال الثمانينات) استغل لإبراز قوة العمل النسوي.. إيضا بإيجابية بدلا من الاكتفاء بالتحلطم والتباكي على وضع المرأة الاجتماعي.

freekuwait

أي حملة إعلامية ناجحة يجب أن تتوفر فيها شروطا علمية وتسبقها دراسة مستفيضة للمشكلة التي تعالجها وللجمهور المستهدف من ورائها والأدوات المستخدمة فيها ونغمة الصوت المناسبة لها، أي أن الأمر ليس مجرد كلمتين ونغمتين وصورتين يعبرون عن “آلامنا وأحاسيسنا” وانتهى الأمر! الطرح العاطفي قد يكون مفيدا في الكثير من الأحيان.. فلا شيء يكسب تعاطف الشعوب أكثر من إثارة أحاسيسهم ومشاعرهم، نحن ولله الحمد ليس هناك من هو أشطر منا في إثارة العواطف.. ما ينخاف علينا من هذه الناحية، لكن إثارة العواطف يجب أن يتبعه استنهاض للهمم من أجل تحريك المجتمع نحو الهدف بإيجابية، عندما تثير عواطف شخص ما عن طريق طرح المشاكل والمآسي ومن ثم تتركه لحال سبيله فإنك لن تدفعه إلا لمزيد من اليأس والإحباط، يعني جل ما ستدفعه لفعله هو أن يرفع يده للسماء ويقول “يالله سهل علينا”! لماذا؟ لأنك لم تطلب منه -بوضوح- أن يفعل غير ذلك أولا.. ولم تحثه حتى لأن يفكر بنفسه بحل للمشكلة التي ألقيتها على عاتقه، هناك فرق بين أن تقوم بعمل مظاهرة أو مسرحية أو تقدم أغنية أو بوسترا يثير عواطف المتلقي قليلا ويهيئه لتلقي رسالتك، ولكن في نفس الوقت يجب أن يكون عنوان عملك الأشمل ورسالته الأساسية هي استنهاض همة هذا المتلقي للقيام بعمل محدد يوافق ما حددته أنت مسبقا كرسالة لحملتك، وهذا لا يمكن أن يتم بالإثارة العاطفية دون أن يكون هناك منهج إيجابي واضح وهدف تطلبه من المتلقي مباشرة، لا تتوقع من عموم جمهورك أن يستنتج ما تريده منه بنفسه.. أنت من يجب عليك أن تأخذ بيده وتريه الطريق الذي تود أن يسير فيه! (في حالة كان جمهورك صغيرا وتستطيع ضمان عقليته ومستوى تفكيره فالأمر مختلف)، ما لم تكن واضحا في هدفك فأنت لا تخاطر بضياع جهدك وحسب.. بل تخاطر بزيادة الأمر سوءا عن طريق نشر السلبية والإحباط في صفوف جمهورك! بمعنى آخر (برأيي الصريح جدا) من الأفضل -للمصلحة العامة- أن لا تقدم شيئا يخص الوطن أو المجتمع أو الأمة على أن تقدم شيئا غير محترف وغير مدروس قد يسبب ضررا أكثر من النفع! جادلني في ذلك إن لم يعجبك كلامي.

حلول

كتبت قبل فترة على حسابي في تويتر بأن لدي الكثير من المواضيع التي أثارتني وكانت تدفعني للكتابة عنها في مدونتي، ومدونتي بحاجة للنشاط الذي شبه توقف منذ أن وصلت مستقرا في الكويت من بريطانيا، ولكني كنت أمتنع عن كتابة هذه المواضيع عن عمد لأن أغلب المواضيع التي كانت تثيرني هي مواضيع سلبية.. وأنا أرفض أن تكون أولى مواضيعي الكويتية مواضيع “تحلطم”! (طبعا أنا كتبت كل هالكلام بأقل من ١٤٠ حرفا.. مادري شلون!) ، فأشار علي أخي مساعد برأي حكيم وهو أنه لابأس من طرح المشاكل بغرض دراستها ومن ثم اقتراح حلول لها 🙂

المشكلة الرئيسية التي طرحتها من خلال موضوعي هذا هي السلبية، علاج سلبية المجتمع بسيط… وهو نشر الإيجابية 🙂 ونشر الإيجابية مجهود جماعي ليس بالهين لأن مدمنو “الغلقة” في مجتمعنا كثر… والمقتاتون على هذا الإدمان لا ينفكون عن تغذيته بالمزيد من جرعات الكآبة المركزة، تصفح أي جريدة أو شاهد أي قناة عربية أو تابع هاش تاق #كويت وستكتشف ذلك بنفسك، لذلك فالطريق طويل.. ولكن العدة جاهزة والعتاد متوفر والحمد لله.

الإيجابيون وأصحاب الإنجازات في البلد كثيرون ولا يحتاجون إلا لأن يتعرفو على بعضهم البعض ويتعاونو فيما بينهم من أجل أن تصل رسائلهم لشريحة أكبر من المجتمع، ففي الوقت الذي يشتكي فيه العروج من تدني ثقافتنا فإني على العكس من ذلك.. أعاني من ضيق الوقت منذ أن وصلت للكويت لأني “مو ملحق” على المعارض الفنية والندوات والملتقيات الثقافية التي بودي أن أزورها وأشارك بها.. وليس في ذلك مبالغة! لكن المشكلة بأن الضوء لا يسلط على هذه الأنشطة بالشكل الكافي إعلاميا.. وبسبب ضعف التنسيق بين الجهات المنظمة لهذه الأنشطة الثقافية (باعتراف أهلها!)، كمثال آخر الرياضة تعاني من مشاكل.. صحيح.. ولكن رغم ذلك فالإنجازات الرياضية لم تنقطع.. ولكن أخبار الخلافات والتدخلات السياسية (وهي لا تهمني بالمرة ولا أعرف تفاصيلها ولا أريد ذلك) هي الطاغية لأن بيعها إعلاميا أسهل.

إن كنت قد قرأت كلامي ووصلت حتى هذه السطور الأخيرة (وما زلت تذكر الأولى) فأنت لست ممن لا يرون حولهم إلا القبح، فهؤلاء لم يصلو إلى نصف الكلام المكتوب حتي قالوا “شهالكلام المثالي الفاضي!” أو “إنت تقرق وايد” فملوا وتوقفوا عن القراءة وتوجهوا إلى متابعة “المثيرات” من الأخبار والقصص، لكنك بالتأكيد ممن يجدون الجمال في أنفسهم فيكونون هم انعكاسه ومرآته كما يقول جبران، واستشفاف الجمال وعكسه للغير هو منتهى الإيجابية، عندما تحدثت سابقا عن دور المثقفين والأدباء والفنانين في إثراء ثقافة المجتمع والنهوض به فإني لم أقصد بأن الجميع يجب أن يوجه ثقافته وفنه من أجل قضايا الوطن ومشاكله! هذا هو عكس ما أقصده تماما!! فهذا التوجيه (بطريقة العروج حسنة النية) يعيد تركيز المجتمع على مشاكله وبالتالي “يجذبها” له مجددا.. وإن كانت رسالة العمل تدعو لحب الوطن أو نبذ الطائفية! (أدعو وبشدة لقراءة موضوع الصورة الكبيرة لمن لم يقم بذلك من أجل أن يتضح المقصود من هذه الجملة)، لا توجه ثقافتك وفنك إلا لنفسها! أبرز إحساسك الشخصي بالجمال أينما كان وبأي صورة ظهر، لا يجب أن تكون الأغنية “وطنية” كي “ينتفع” منها الوطن، ولا يجب أن يكون الشعر “وطنيا” أو التشكيل “وطنيا” أو العلم “وطنيا” كي ينتفع الوطن، أبدع بمجالك وارتق بفنك وثقافتك وانشر الجمال بين الناس.. حينها سيفرح الوطن وسيفرح من يعيش على أرض الوطن وسينهض الشعب بنفسه ويحارب مشاكله بنفسه ويبني عزه ويعيد مجده بنفسه.

ما يهم

Khalifa Qattan, Revealing the Brain, 1973
من الطبيعي ان تتباين الآراء بخصوص نتائج أي انتخابات، فالانتخابات – مثل أي معركة أو مباراة كرة قدم – فيها الفائز وفيها الخاسر، الفارق الوحيد في حالة الانتخابات الكويتة بالذات هو أن تلك المبارة ليست بين فريقين بل بين ست أو سبع فرق طائفية ومذهبية وقبلية وكتلية وفكرية، بمعنى آخر.. ليست بين حزبين رئيسيين كما هو الحال في أغلب الدول الديموقراطية، بالتالي في نهاية أي انتخابات نجد الزعلان فيها أكثر من الراضي لأنه من المستحيل أن تحقق إحدى الفرق ما يمكن أن يطلق عليه اسم “أغلبية” تتيح لها تحديد سياسة البلد، و هذا الأمر قد يكون من رحمة الله بنا لأننا لم نصل بعد لتلك المرحلة من النضج السياسي لكي نضع السلطة في يد كتلة سياسية واحدة، وقد فصلت في هذا الأمر بموضوع جمهورية الكويت الديموقراطية ولا داع لإعادة نقاشه، ولكن ما يهمنا هنا ليست مسألة الرضى بقدر ما هي مسألة الزعل.

حالة الحرة والزعل والاحتراق على نتائج الانتخابات وأسماء النواب الناجحين ترجع لكون المواطن يعطي هذه الانتخابات حجما يفوق سعتها الطبيعية بكثير! فهو كما ذكرت بموضوع صورة النائب مؤمن بأن مجلس الأمة هو المسيح الذي سيشفي الأبره والأكمه ويحيي الوطن من موتته بإذن الله! وهو الذي يظن بأن أعضاء هذا البرلمان يجب أن يكونوا خمسين سوبرمان متحدون لمحاربة قوى الشر، وهذا الاتحاد مستحيل بسبب تعدد أطياف المرشحين وناخبيهم وعدم وجود منظومة حزبية تقرب هذه الأطياف من بعض… سياسيا (وهذا محور يحتاج لموضوع مستقل)، مع الأخذ بالاعتبار بأن النائب ليس سوبرمان أصلا بل هو موظف يؤدي واجبه.

Batman_Superman_Wonder_Woman_Trinity_1

ما يحدث حاليا من حالة تذمر من حال البلد السياسي هو أمر غير منطقي، فكيف يتذمر الناس من اختياراتهم؟ تخيل لو اني طلبت منك أن تشتري لي وجبة من كنتاكي لآكلها على العشاء وبعد أن أحضرتها لي أخبرتك بأني أكره كنتاكي ولا أطيق أكله، ماذا سيكون ظنك بي؟ الآن إن اختار الشعب نوابا من كنتاكي ثم قال هذا الشعب بأنهم يكرهون كنتاكي، ماذا سيكون ظنك في هذا الشعب؟ نواب الشعب هم في النهاية خلاصة فكر هذا الشعب (طبعا ما لم يكن هناك تزوير أو تلاعب)، الشعب أولا حر في اختيار ممثليه من خلال عملية الاقتراع، وفي نفس الوقت هؤلاء الممثلون لم يأتو من كوكب آخر.. بل هم نتاج فكر ذلك الشعب و ثقافته ونظامه الاجتماعي والتعليمي، كيف يمكن أن نتوقع نوابا يضاهون حملة شهادات هارفرد لشعب ليس لديه خرجين من هارفارد… ولا حتى لديه جامعات تقترب في مستواها من هارفارد؟ كيف نتوقع نوابا يحملون مسمى “وطنيين” يمثلون شعبا غارقا في القومية والعنصرية؟ ذلك أمر غير منطقي.

لست سعيدا على الإطلاق إن قلت بأن كلامي في موضوعي ثقافة السور والصورة الكبيرة نراه اليوم يتجسد حاضرا أمامنا من خلال مخرجات الانتخابات الأخيرة! تلك النتائج لا تمثل الا دليلا قاطعا على ما ذكرته في كلا الموضوعين من حالة المجتمع الثقافية التي أخرجت لنا برلمانا لا نستطيع القول عنه الا “الله يعينه على نفسه” بسبب تناقض مخرجاته التي لم ولن ترضي أحدا، كذب الشعب على نفسه عندما ظن بأن أغانيه وخطاباته وتغريداته “الوطنية” الداعية إلى نبذ الطائفية والقبلية ستكون كفيلة بالقضاء على تلك المساوء.. ثم صدق كذبته! وبالنهاية لم يكن للنتيجة الا أن تسبب له صدمة! فمشجعو كل الفرق انصدموا من نجاح أعتى أعداءهم من الفرق الأخرى واختفى -تقريبا-من كان بالمنتصف، هذا التطرف في تشكيلة النواب هو انعكاس لحالة التطرف التي يعيشها المجتمع وشعور كل فرقة من فرقه بالخطر الذي يداهمها، هذا الشعور بالخطر نابع مما تراه وتقرأه في الإعلام ومن خلال متابعة ما يجري من أحداث وتطورات في المجتمعات المحيطة بها، بالتالي اختيار هذه الفرق للنواب الذين وصلوا يمثل نوعا من الصراع من أجل البقاء، قد تكون التشكيلة النيابة الشرسة بمجملها لا تعجبنا… ولكنها -مرة أخرى- إنعكاس لحالة المجتمع.

مانشيتات صحف اليوم - من موقع زبدة الأخبار

إن كنت زعلانا من نتائج هذه الانتخابات أو تلك، أو كنت مغتاضا لوصول النائب الفلاني أو من تزايد أعضاء فريق العلاني فليس هناك داع لهذا الزعل والغيض، لن أقول “هذه هذ الديموقراطية” وكأني ألقي باللوم عليها.. لأن الديموقراطية ما هي إلا منهج عام تقاد به البلد، عندما تلوم الديموقراطية فأنت كأنك تلوم حكم المباراة أو حتى تلوم قوانين الفيفا، ولا تلم الشعب على اختياراتهم وتقول بأن الشعب ما يفهم أو مو كفو ديموقراطية وبأن الشعب جاهل وما يعرف مصلحته وبأنه شعب بسرعة ينقص عليه، وطبعا لا تلم نفسك وتقول بأنك لم تبذل جهدا كافيا وبالتالي عليك أن تخطب وتغرد أكثر حتى تنهض بوعي الناس! يجب أن لا يكون هناك لوم بالمرة بل تقبل للنتائج كما هي وإدراك بأن هذه النتائج هي رغبة الشعب الحقيقية… ولا يمكن للشعب أن يختار غير ما يريد ولا يمكنه أن يختار غير ما هو في مصلحته! كل ما يختاره الشعب فيه الخير.. ولو على المدى الطويل، أمير البلاد قام بضغط زر الـ”ريسيت” ورمى الكرة بملعب الشعب وهو مدرك بأن اختيار الشعب فيه الخير مهما كانت النتائج، نعم ستستمر الأزمات… ونعم سيهبط مستوى الطرح ونعم ستتوقف التنمية وسينشغل المجلس بالتوافه ويشغلنا معه فيها، لن يكون ذلك أمرا جديدا ولا غريبا وما كان ليتغير حتى لو تغيرت تركيبة النواب، ستمر علينا سنين عجاف ولكن من بعدها سوف يغاث الناس… فاصبرو! مجتمعنا لن يتغير عندما يتغير النواب والساسة… هذه فكرة خاطئة حتى النخاع!! العكس هو الصحيح… الساسة هم من يتغيرون عندما تتغير ثقافة المجتمع، إحفظ هذا الكلام وضعه نصب عينيك دائما… غير الثقافة أولا وستتغير السياسة تبعا لذلك، كيف نغير ثقافة المجتمع؟ هذا موضوع يحتاج بحثا ودراسة طويلة ربما نعود لها في مواضيع لاحقة، ولكن على عجالة يذكر لنا علماء التاريخ والاجتماع بأن التغيير عملية صعبة ومعقدة وتحتاج لوقت طويل لتحدث، وقد يساعد على تسريع تلك العملية المعقدة حدوث الصدمات والأزمات والهزات التي تحرك الأرض قليلا تحت أقدام المجتمع، ونحن اليوم قد نعاني من آثر بعض تلك الهزات.. نعم قد نشتكي منها.. ولكن إن تذكرنا أهمية تلك الهزات ونظرنا لصورتها الكبيرة من بعيد سنجد بأنها أمر إيجابي لا يجب أن يثير الرعب فينا.

لنتذكر بأن الأمر بالنهاية سياسة، والسياسة – مثل الكرة – لعبة، يفوز فيها من يتكتك ومن يستعد و من يمتلك المهارة الأعلى… ومن يحوز على كل ذلك ليس بالضرورة أن يكون هو الأفضل.. بل هو الموفق في هذه المباراة، المباريات القادمة أكثر.. ولديك الوقت الكثير لتحضر لها، من يغني ويخطب ويغرد دون عمل فعلي لن يفوز! لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يخطب ولا يغرد بل قيل له “قم فأنذر” وتلك كانت حالة جميع العظماء الذين قادوا أممهم للمجد، فيا معشر المغنين والخطباء والمغردين دعو عنكم الساسة وألاعيبهم وحيلهم… اتركوهم ليؤدو أعمالهم ومسؤولياتهم وتفرغوا لأعمالكم ومسؤولياتكم، لا تعطوهم أكبر من حجمهم ولا تعولو عليهم الكثير… من أجل راحتكم النفسية على الأقل، شاهدنا خلال الفترة السابقة إبداعات شبابية في مجال التوعية السياسية “الحقيقية” باستخدام الميديا والتكنولوجيا الحديثة… وكم أتمنى أن يستمر هذا الإبداع ليصل لأكبر عدد ممكن من الناس، وشاهدنا العديد من الأساتذة والمثقفين يتواصلون مع الشباب ويتعاونون معهم ويقدمون لهم المعلومات والنصح والإرشاد، ونحن نحييهم على ذلك ونقدم لهم الشكر والعرفان، تلك هي مسؤولياتكم الحقيقية يا شباب ويا مثقفين.. لا تتبع النائب الفلاني وما قال ولا السياسي العلاني ومافعل، لنرتق بثقافة الشعب الحقيقية (لا ثقافة الشعارات) وسنشاهد بأعيننا كيف سينعكس ذلك على اختيارات ذلك الشعب مستقبلا.