سفهاء ماكدونالدز

 

قصة الفيديو أعلاه هي كما يلي:

شاب يبلغ من العمر ١٧ عاما يتصدى بشجاعة لمجموعة من رجال الأمن لقيامهم باستفزاز ومن ثم اعتقال رجل مشرد كان نائما في إحدى مطاعم ماكدونالدز في مدينة بيرمينجهام البريطانية. التفاصيل حسب رواية الشاب وأحد الشهود هو أن رجل الشرطة قدم للمطعم من أجل إخراج الرجل المشرد، فأخبره بأنهم لا يستطيعون توفير المأوى له اليوم وبالتالي فإن عليه أن يخرج ليس من المطعم وحسب بل من مركز المدينة ككل! عند رفض الرجل الخروج في ذلك الجو البارد استدعى الشرطي جماعته المكونة من ثلاثة أو أكثر من أفراد شرطة آخرين من فئة المناكب العريضة بكامل عدتهم ومرتدين قفازاتهم وقاموا بإخراجه من المطعم واعتقاله بتهمة إثارة الشغب.

في المشهد نرى الشاب المتعاطف مع الرجل المشرد معترضا على أسلوب تعامل الشرطي مع الموقف متهما إياه بأنه لا يحق له إخراج الرجل من المطعم دون تهمه من الأساس، وأنه هو من قام باستفزازه ومن ثم قرر اعتقاله بتهمة إثارة الشغب! وأبدى له امتعاضه من كون أن الشرطة تركت أداء واجبها الحقيقي في مكافحة الجريمة ومساعدة الناس وتوجهت لمضايقة المشردين والمساكين. رجل الشرطة من جانبه “سفه” الشاب واصفا إياه بأن أفكاره صبيانية وأنه جاهل سفيه ولا يفهم… طالبا منه أن يبين الجهة التي “تدعمه”، واستدار ناحية المصور طالبا منه التعريف بنفسه وإن كان صحفيا وسأله عن هويته. طبعا رد الشابين على الشرطي كان حاسما وقويا بأنهما يعرفان حقوقهما وأنهما في مكان عام ولا يحتاجان لتصريح أو هوية، وأن الجاهل هو أنت أيها الشرطي!

شاهدت هذا الفيديو البارحة ولم يستوقفني كثيرا، فقد مرت علي الكثير من المواقف المشابهة التي شاهدت فيها شبابا واعيا عارفا بحقوقه ويجيد التعامل مع مثل هذه المواقف التي تضطره للتعامل مع أصحاب السلطة من شرطة أو سياسيين أو غيرهم. كما أني لم أستغرب كثيرا من تعاطف الشاب مع الرجل المشرد لأن الشعوب المتحضرة تحترم إنسانية الإنسان بغض النظر عن مستواه الاجتماعي أو عرقه أو لونه أو جنسيته.

نعم سيخرج لي الآن من يردد جملا مثل أن الغربيين لو كانوا يحترمون الإنسان لما كان ذلك الرجل مشردا من الأساس… “وإحنا أحسن منهم لأن ما عندنا مشردين!“… أو غيرها من الهراء الذي حفظناه! ولن أطيل الرد على هؤلاء لكي لا أتعب نفسي بإيقاظهم من نومة النصف عين التي يتمتعون بها!

——–

 

قصة الفيديو أعلاه كما يلي:

نعم، الفيديو يبدو أنه أيضا تقع أحداثه في مطعم ماكدونالدز… لكن هذه المرة في إحدى مناطق دولة الكويت. نشاهد في هذا الفيديو الذي انتشر اليوم إمرأة قد تكون في الأربعينات أو أواخر الثلاثينات من العمر… طويلة عريضة ترتدي ثيابا مزركشة بألوان علم الكويت، غالبية حديثها نسمعه بلهجة كويتية… بالإضافة لبعض الإنجليزية المكسرة… وما يبدوا لي كلغة غريبة لم أفهمها صراحة.

ما فهمته هو أنه كان هناك سوء تفاهم بينها وبين العاملين في المطعم مما أدى لتقديمهم طلب خاطئ لها. الأمر بسيط ويحدث يوميا، أليس كذلك؟ ردة فعل المرأة على الموقف ليست بتلك البساطة على الإطلاق!

لا أعلم ملابسات الموقف ولا مقدماته ولا الحالة النفسية التي كانت فيها المرأة في ذلك الوقت، قد تكون هناك تراكمات أدت بالنهاية لانفجارها العصبي بهذا الشكل الذي نشاهده في هذا الفيديو… من نحن لكي نحكم على أعصاب وانفعالات الآخرين؟

لكن…

ما أثار عواطفي أنا وسبب لي حالة من الغثيان عند مشاهدتي لهذا الفيديو ليس انفعال المرأة وثورتها، لكن المتسبب في غثياني أمران:

أولا، ما ورد على لسانها من ألفاظ عنصرية. تبدأ سلسلة القبح اللفظي المسجلة بالفيديو بتحذير للعامل (الذي يبدو من لهجته بأنه مصري) من افتعال المشاكل في الكويت… لأنه تعلم “بأنهم” من الجواسيس في البلد! وأنها لن تنسى ما “فعلوه” أيام الغزو إلى يوم الدين… وأن من يدافع عنه هم خونة الكويت! ثم الإشارة إلى أنه موجود فقط من أجل الفلوس… دنانير الكويت! ثم تقوم بتذكيره بلجنة “الإبعاد” التي يبدو أن دوره قد أتى فيها من أجل “تسفيره” كما تدعي! ثم تتوجه بحديثها للعاملة الفلبينية بحديث لا يقل شدة عن ما سبقه لم أفهم منه سوى فكرة التأكيد على طلب “الكابتشينو”… رغم اعتذار العاملة اللبق الذي لم يشفع لها بشيء.

ثانيا، رغم زوبعة العنصرية والقذارة اللفظية التي كانت تكيلها تلك المرأة للعاملين في المطعم… هل وجدت من تصدى لها أو أوقفها أو حتى حاول تهدئتها؟ أبدا! أشجع من ظهر بالفيديو كانت الطفلة الصغيرة التي اقتربت من المرأة متأملة تصرفاتها باستغراب إلى أن سحبتها العاملة الآسيوية! أما بقية من في المطعم من رجال وفتيات فاكتفوا بالتفرج من بعيد… والضحك… والطلب من المصور بأن يأخذ “زوم” على وجه المرأة الثائرة!

—–

قارن الآن بين الموقف في المكدونالدزين!

 

6 تعليقات على “سفهاء ماكدونالدز”

  1. أكثر شيء مؤلم فعلاً هو عدم وجود ردة فعل من الناس في الكويت

    هذه حقيقة لكن الحقيقة الأخرى هي إن أغلب الناس في العالم لا تعطي ردة فعل .. أي إن ردة الفعل هي الاستثناء لأسباب يطول شرحها.. عندي دراسات بهذا الموضوع إذا حاب

    لهذا ممكن أبرر للكويتيين عدم تصديهم لها .. لكن ما بعد الحدث عادة تكون هناك ردة فعل حكومية (غربية) بالبحث عن الشخص و معاقبته .. لا أظن أبد إن هذا ممكن يحدث عندنا

  2. المشكلة عميقة وليست مجرد تجاهل لكرامة إنسان يهان بهذه الطريقة. ردة فعل الناس داخل المطعم ربما يمكن تبريرها بحجة الصدمة أو تجنب الاحتكاك مع شخص غاضب قد يتسبب لهم بالضرر إن تدخلوا في أموره. ردة فعل الرأي العام تجاه هذا الفيديو من خلال وسائل التواصل الاجتماعي هي مصيبة أخرى، حيث مرت المسألة لديهم ببساطة دون إحداث ذلك القدر من الضجة التي أحدثتها فيديوات أخرى سخيفة وسطحية، ربما لم أرصد ردود الفعل بشكل كاف هذه المرة، ولكن تلك الفيديوات الأخرى لم أكن بحاجة رصد ردود الفعل عليها بسبب كثافة التفاعل معها.

    مصيبة أخرى هي ردة الفعل الرسمية، أو انعدامها. عندما انتشرت الفيديوات التي أُطلقت عليها صفة الخلاعة أو اللاأخلاقية قرأنا أخبار مسارعة الجهات الأمنية بالتدخل وضبط الظاهرين بها بسرعة قياسية (إن صدقنا تلك الأخبار طبعا)، لكن هل تم التحرك لضبط هذه المرأة والتحقيق معها؟ لم أسمع بذلك… وأتمنى أن أكون مخطئا إن قلت بأن لا شيء من ذلك قد حصل. بل ما هي التهمة التي ستوجه لها أصلا إن تم ضبطها؟

    أقولك شي مضحك ومخجل؟ سبب منع كتابي هو مخ الرقيب الذي رأى بأن كلامي في إحدى صفحات الكتاب يحوي كلمات تسيء لأسماء بعض “القبائل” و”العائلات” الكويتية، ربما تحت مظلة القانون المدعو بقانون الوحدة الوطنية، مع العلم بأن ذات الصفحة التي اعترضوا عليها تحوي كلمات أخرى قد يفهم منها الإساءة لجنسيات أو أصول أو أعراق غير “وطنية”… لكنها لم تثر غيرتهم ولا حفيظتهم! فإن كانت وجهة النظر الرسمية لا ترى بالإساءة “للغريب” مشكلة ولا قضية فكيف نتوقع من عامة الناس التعاطف مع ذلك الأجنبي والفزعة لقضيته؟

    هي مشكلة ثقافة وعقل مركب بشكل عنصري ومنغلق، وذلك هو المؤلم.

  3. أمر مؤلم جدا أن يهان المرء دون رادع أمني أو قضائي
    و المؤلم أكثر أن تكون الإهانة بين العامة و مع تواجد أطفال ربما تكبر و تسلك هذا السلوك القبيح و المستهجن من كل ذي خلق و تربية حسنة. مقال جدا جميل دكتورنا العزيز.
    يؤسفني سماع منع طباعة كتابك
    أتمنى أن تتحقق امنيتك و تنتهي من مقص الرقيب و تناقضاته.
    موفق لكل خير

  4. لكي نكون منصفين فيجب أن نقر بأن البريطانيين والغربيين بشكل عام ليسوا ملائكة، فنحن تعرضنا لبعض أنواع الإهانات وسوء المعاملة عندما كنا نعيش خارج الكويت عدة مرات. لكن بالفعل هناك فرق بين أن تكون هناك إهانات عنصرية وبين أن تكون هذه الإهانات مقبولة ومألوفة وغير محاسبة كما ذكرت، وهي لم تصل لهذا المستوى إلا بسبب تحولها لجزء من النسيج الثقافي لدينا، وقد تحدثت عن هذا الأمر بإسهاب في مقالات سابقة وفي الكتاب المنتظر.

  5. أخي في الله مؤيد
    بدايةً اسمح لي بالاعتذار على ردي المتأخر نوعاً ما على هذا الموضوع ,, والاعتذار مقدماً إن أطلت الحديث في تعليقي
    ثانياً ،، كل شخصٍ في المجتمع يرى الأمور من زاوية مختلفة ويضع المبررات والمسببات التي تتناغم ووجهة نظره
    كيف ذلك؟
    سأوضح ذلك بمثال على الموضوع أعلاه
    لا أخفيك سراً بأنني شخصياً لا أستبعد أن بعضهم لا يشعر بذلك الذنب العظيم (وربما لا يشعر بأي ذنب) وهو يقف متفرجاً كون الضحية وافداً وأن الخطأ متلبسه (باعتقادهم طبعاً) !
    ولكن لو تقدم أحد الوافدين العرب مهما كانت جنسيته (وأقول العرب لأن ذوي الأعين الملونة والشعر الأشقر لهم حصانة) فسينال نصيبه من الكلام البذئ هذا بل وربما ستجد حينها المعنى الحقيقي لكملة “الفزعة” حين كان المتفرجون صامتون، يثورون في وجه الوافد فقط لأنه وافد ويحاول أن يضع حداً لعجرفة السيدة. وستكون تحت عدة مبررات منها أنه وافد يخاطب مواطنة ، أو لأنه رجل يقارع امرأة ، أو لأنه شاب وينصح عجوزاً. إلا أن المحصلة أنهم سيثورون ضده وبدلاً من أن يكون الحق على هذه السيدة سيصبح كل الحق على الوافد بل وربما بواسطة من هنا أو هناك سيتم تحويله إلى جهات الاختصاص.
    يمكنك قياس هذه التصرفات على مستوى الشارع ,, جرب أنت كمواطن كويتي ذو علم وثقافة أن تقود أي نوع سيارة يشتهر الوافدون بامتلاكها وانظر كيف ستكره اليوم الذي نزلت به إلى الشارع
    إن أردنا تحليل هذه المواقف والنظرة الاستعلائية ضد الوافدين فستجد ببساطة أن الإعلام بشكل مباشر أو غير مباشر يلقي بجميع مصائب هذه البلد على الوافدين، حتى أصبحت الحقوق الرئيسية ومتطلبات العيش الكريم حكراً لطبقات معينة من الوافدين وليس جميعهم، لأن بعضهم لا يستحق!
    بالعودة إلى الموضوع أعلاه ، هل جربت أن ترى تعامل الشرطة بشكل عام مع الوافدين؟ هل رأيت تعامل موظفي الوزارات (والتي بالمناسبة يشتكي منها المواطنون بكثرة أيضاً) مع الوافدين؟ إن كان المواطن وهو يملأ الدنيا ضجيجاً بكلمة “كيفي” و “ديرتي” يعاني من التعاملات الحكومية فما بالك بالوافد الذي لا يُنظر له كإنسان طبيعي حاله كحال أي مواطن؟
    اذهب إلى الوزارات وسترى الانكسار بعيون الناس الذي يستجدون الموظفين فقط ليقوموا بمهامهم أو ليعطوهم حقوقهم المكفولة بالقانون والعرف والأخلاق.
    الحديث سيطول هنا ولن يتغير شئ هناك
    دمت بود
    وافد

  6. يسعدني ردك بأي وقت …

    هذه الحوادث والمواقف والأفكار المتعالية التي تتسبب بها ناتجة عن عقد تاريخية متراكمة، فالظروف التي مرت بها الكويت ودول الخليج بشكل عام كونت لدى شعوبها شعورا بالتفوق على الآخرين، ونعم، العامل الاقتصادي هو أحد أهم مسببات هذا الشعور. حللت حالة الكويت بشكل مفصل أكثر بمقال “ثقافة السور”.
    http://www.moayad.com/me/?p=1211

    نعم هو حال مؤسف، ليس الفكر العنصري وحسب، بل المؤسف بشكل أكبر السكوت عن هذا الفكر وعدم نقاشه ونقده ومحاربته وكأننا شعوب ملائكية لا نخطئ!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *