أرشيف التصنيف: Educational

فخ الحريات في قانون تنظيم الإعلام الإلكتروني الكويتي

فخ الحريات

 

قد يكون مر عليك كتيب إلكتروني يحمل عنوان قوانين غير دستورية يحوي نصوص وتاريخ قوانين أقرها مجلس الأمة الكويتي… ولكن بها شبهة مخالفة مبادئ الدستور، كالقوانين المقيدة للحريات أو المنتهكة لحقوق الإنسان أو الممارِسة للتمييز العرقي أو الجنسي أو غيرها من المبادئ المناقضة لروح الدستور. فحسب النظام الديموقراطي الكويتي الدستور هو الأساس، والقانون موجود لتطبيق ذلك الدستور عمليا، فلا يجوز أن تخالف القوانين التي يصدرها مجلس الأمة مواد الدستور، لكن يحدث أحيانا – لسبب أو لآخر – أن تحصل بعض القوانين على أغلبية نيابية ومباركة حكومية وسكوت شعبي رغم فداحة محتواها! بالطبع فإن مثل تلك القوانين من المفروض أن تعدل بواحدة من طريقتين، إما باقتراح قوانين جديدة، أو بإحالتها للمحكمة الدستورية. لكن بما أننا شعوب كسولة في بعض الأحيان، أو متواطئة مع الظلم في أحيان أخرى، بقيت تلك القوانين غير الدستورية على حالها!

تصحيح… لم تبق القوانين غير الدستورية على حالها… بل أنها ازدادت وتكاثرت مؤخرا، ومن المفترض زيادة فصول الكتيب آنف الذكر وتحويله لكتاب… أو مجلد… لمواكبة الفاجعة الدستورية التي نرضخ تحت طائلتها!

 

(مشروع) قانون تنظيم الإعلام الإلكتروني

أحدث القوانين التي يجب أن تضم إلى كتيب العار هو ما يطلق عليه اسم (مشروع) قانون تنظيم الإعلام الإلكتروني، والذي ستعرضه الحكومة على مجلس الأمة، المجلس الذي إن استمر على ما عهدناه – وعهدنا شعبنا عليه من سلبية – سيقر ذلك القانون وسيصبح ساريا ومطبقا على رقاب وأفواه الكل.

الظاهر من القانون هو أنه قانون ينظم النشر الإعلامي الإلكتروني، أي يعطي القانون قوة على النشر الإلكتروني تعادل قوته على النشر التقليدي. أي أنه كما تحتاج الصحف إلى إصدار تصريح ينظم عملها وتخضع لرقابة لاحقة على محتواها (لكي لا تنشر ما هو مسيئ أو مخالف)، فإن هذا القانون الجديد جاء (ظاهريا) لتنظيم بعض المواقع والخدمات الإعلامية الإلكترونية كذلك، تجنبا لحالة الفوضى والفراغ القانوني الذي تعاني منه الآن.

قد تتفق مع هذا الهدف (الظاهري) أو لا تتفق، أنت حر برأيك. مشكلتي شخصيا ليست مع “الظاهر” بل مع “الباطن“.

القانون باختصار شديد يلزم “المواقع الإلكترونية الإعلامية” بالحصول على ترخيص من وزارة الإعلام لممارسة أعمالها، وطبعا ذلك وفق شروط محددة، كأن يكون المقدم كويتي الجنسية لا يقل عمره عن ٢١ سنة، أن يودع مبلغ ٥ أو ١٠ آلاف دينار، أن يعين مديرا للموقع، أن يحدد نشاط الموقع… الخ.

يُخضع القانون الموقع الإلكتروني لشروط عديدة، أهمها هو تحري “الدقة” بما ينشر فيه، وتجنب نشر “المحظورات” من المواضيع التي حددها قانون المطبوعات.

وطبعا مخالفة بنود القانون تعرض صاحب الموقع لعقوبات تتراوح بين إلغاء التصريح أو وقفه أو حجب الموقع… نهائيا أو مؤقتا، وذلك بالإضافة طبعا لعقوبات قانون المطبوعات التي تتراوح ما بين الغرامة وتصل حتى السجن!

ذلك ما كان من أمر المواقع المصرح لها. طيب، ماذا عن “المواقع الإلكترونية الإعلامية” التي لم تتقدم للحصول على تصريح؟ ما عليها شي؟

لا طبعا… عليها ونص!

من يمارس الأنشطة المذكورة بالقانون دون ترخيص يعاقب بغرامة تتراوح ما بين ٣ إلى ١٠ آلاف دينار، مع حجب الموقع نهائيا!

السؤال الأساسي الذي حير الخبراء والعلماء في هذه المسألة هو:

ما هي “المواقع الإلكترونية الإعلامية” أصلا؟!

وهنا تكمن المصيدة!

 

المصيدة الإلكترونية

المادة ٤ من (مشروع) القانون تنص على التالي:

يسري هذا القانون على المواقع الإعلامية الإلكترونية التالية:
١. دور النشر الإلكتروني.
٢. وكالات الأنباء الإلكترونية.
٣. الصحافة الإلكترونية.
٤. الخدمات الإخبارية.
٥. المواقع الإلكترونية للصحف الورقية والقنوات الفضائية المرئية والمسموعة.
٦. المواقع والخدمات الإعلامية التجارية الإلكترونية.

أغلب هذه التعريفات واضحة وقد تكون مقبولة، أي أن وكالات الأنباء أو الصحف أو دور النشر “مؤسسات” مطلوب منها إصدار تصريح على أي حال لمزاولة عملها “التقليدي”، بالتالي من الممكن أن نتقبل “مبدأ” ضرورة الحصول على تصريح لنشاطها الممتد إلكترونيا. قد يكون لدينا اعتراضات إجرائية على ذلك… لكن “سنطوفها” حاليا.

لكن، إذا انتبها لمنتصف الأنشطة المذكورة سنجد في البند ٣ كلمة مبهمة وهي “الصحافة الإلكترونية“… وهنا يدق ناقوس الخطر!

 

ما هي “الصحافة الإلكترونية”؟

إنها كلمة مطاطة بالفعل! هل مدونتي هذه تدخل ضمن تصنيف “الصحافة الإلكترونية”؟ هل حسابك على الفيسبوك أو تويتر أو سناب تشات يدخل ضمن “الصحافة الإلكترونية”؟

تصريحات الحكومة الكلامية تقول “لا، لن نمس بالمدونات والمواقع الشخصية!“، ومرة أخرى نسأل، ما معنى “شخصية”؟ شخصية في ذات من يملكها؟ أم شخصية في محتواها؟ هناك فرق كبير بين الأمرين!

قد تنقذنا من هذه الحيرة المذكرة الإيضاحية التي تنص على التالي:

“ويستفاد من الحصر السابق للمواقع الإعلامية الإلكترونية [المادة ٤] أن القانون لا ينسحب أثره على الحسابات الشخصية الخاصة بمواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الشخصية مثل (المدونات) وذلك لكونها تخرج عن نطاق الإعلام الإلكتروني المهني وبالتالي تنطبق عليها القوانين الأخرى”

تمام، لكن هنا نلاحظ ورود مصطلح جديد، وهو “الإعلام الإلكتروني المهني“، ما المقصود بذلك؟!

المادة الأولى من القانون تعرف “الموقع الإعلامي الإلكتروني” بأنه:

“الصفحة أو الرابط أو الموقع أو التطبيق الإلكتروني الذي يتصف [بالاحترافية]، ويصدر [باسم] معين وله عنوان [إلكتروني] محدد، وينشأ أو يستضاف أو يتم النفاذ إليه من خلال شبكة المعلومات الدولية “الإنترنت” أو أي شبكة اتصالات أخرى.”

وذلك كما نلاحظ وصف لآلاف المواقع والمدونات والحسابات التي نعرفها، الفيصل الوحيد هو صفة “الاحترافية” والتي لا أدري من أين جاءت وكيف يمكن تحديدها!

من ناحية أخرى نفس المادة تعرف “الصحيفة الإلكترونية” بأنها:

“موقع إلكتروني يقدم من خلاله المحتوى الإلكتروني المتضمن الأخبار والموضوعات والمقالات ذات الطابع الصحفي أو الإعلامي وتصدر في مواعيد منتظمة أو غير منتظمة”

يا إلهي! الأخبار عرفناها، “الموضوعات والمقالات ذات الطابع الصحفي أو الإعلامي” ماذا تعني؟ المقالات مثلا؟ الأفلام الوثائقية؟ مرة أخرى… مدونتي تحوي مقالات ومواد إعلامية مصورة قد تكون “احترافية” وتصدر في موعيد “غير منتظمة”، فهل مدونتي تعتبر “صحيفة إلكترونية” و”موقع إعلامي إلكتروني”؟ أم أنها موقع شخصي ولا يدخل ضمن نطاق “الإعلام الإلكتروني المهني“؟

تصريحات الحكومة شيء، ونصوص القانون شيء آخر. عندما يصدر قرار إداري أو حكم قضائي فإن الفيصل فيه هو نص القانون… وليس تصريحات الوزير!

ما معنى الشخصانية عندما تتحدث المذكرة الإيضاحية عن عدم مساس القانون بـ”الحسابات الشخصية” لأنها لا تدخل ضمن “نطاق الإعلام الإلكتروني المهني“؟ هل “شخصية” تعني أنها تابعة لشخص وليس لمؤسسة؟ ماذا عن المدونات التي يشرف عليها مجموعة من الكتاب والمحررين المستقلين؟ ماذا عن حسابات اليوتيوب التابعة لفرق الهواة من الفنانين؟

هل تحتاج الصحف ودور النشر مثلا لترخيص إن أرادت أن تنشأ لنفسها حسابات في مواقع التواصل الاجتماعي لنشر محتواها؟ لا؟ طيب، ماذا لو قام مدير تحرير إحدى هذه الصحف بإنشاء حساب “شخصي” على الفيسبوك مثلا وقام بنشر نفس المحتوى؟ ماذا لو قمت أنا الفرد الفقير لله بنشر ذات المحتوى على مدونتي؟ هل مازالت هذه “البدائل” تدخل ضمن تعريف “الحسابات الشخصية” أم أنها ستتحول إلى “إعلام إلكتروني مهني“؟ إذا بقيت “شخصية” فتلك الفوضى بعينها! ما فائدة القانون إذن؟

المسألة “الشخصية” هنا من الممكن اعتبارها تتعلق بمحتوى الموقع الإلكتروني وليس بشخص صاحب الموقع، أي أن “الموقع الشخصي” قد يعرف بأنه الموقع الذي يحوي مواضيع خاصة، كصور سفرتك إلى لندن، خاطرة أدبية كتبتها، رأيك في وجبة تناولتها في مطعم، تعبير عن أعجابك بمسلسل تتابعه… الخ. أما إن كانت مواضيع موقعك أو حسابك تتحدث عن نقدك للسياسية الاقتصادية لمنظمة أوبك، ملاحظاتك لظاهرة اجتماعية جديدة، رأيك في صراع سياسي إقليمي دائر، دفاعك عن قضية إنسانية محلية… الخ، عندها قد يأتي إليك من يقول بأنك قد خرجت بمواضيعك هذه عن نطاق “الموقع الشخصيودخلت في الشأن العام… وبالتالي فإن موقعك أو حسابك أصبح من ضمن “الإعلام الإلكتروني المهني“، لذلك عليك أن تودع في خزينة الدولة ٥ أو ١٠ آلاف دينار لتستخرج تصريحا يضمن لك استمرار موقعك، هذا بالطبع على اعتبار أنك كويتي لا يقل عمرك عن ٢١ سنة وتنطبق عليك جميع الشروط… وإلا ابحث لك عن كفيل!

القانون غير واضح بشكل مريب جدا، فكلمة “مؤسسة” لم ترد فيه، فعلى خلاف دور النشر والصحف والخدمات الإخبارية فإن كلمة “الصحافة الإلكترونية” لا تعريف لها لا في هذا القانون ولا غيره من القوانين، وكأنها وضعت بنية اللجوء لها من قبل الحكومة “عند الحاجة“.

فإن نشرت في موقعك أو حسابك الخاص أي شيء تراه الوزارة بأنه غير “شخصي” بإمكانها أن تغلفه بغلافالاحترافية” و”المهنية” وتجبرك على إصدار التصريح… وإلا تعرض نفسك للمساءلة وتحال للنيابة وقد تدفع غرامة ما بين ٣ إلى ١٠ آلاف دينار بتهمة مزاولة نشاط دون ترخيص، ويحجب موقعك نهائيا ومباشرة دون الحاجة لحكم من المحكمة!!

مرة أخرى، نصوص القانون والمذكرة الإيضاحية له (كما فصلت) هي ما يمكن الاستناد عليه بنظر القضاء، التصريحات والكلام المطمئن والمخدر والمدغدغ للعواطف لا فائدة منه، بل هو أسلوب يستخدم لاستغفالك وجعلك تبلع الطُعم دون أن تدري. هل تثق بالحكومة ووزارة الإعلام ثقة عمياء ومستعد لتسليمها “الخيط والمخيط” لأنها “أبخص” وتعرف ما تفعل من أجل “حفظ الأمن والأمان” و”زين تسوي فيهم“… و”وطني حبيبي وطني الغالي“؟! هنيئا لهم حصولهم على ثقتك هذه، أما أنا ومن خلال اطلاعي وخبرتي وتجاربي مع وزارة الإعلام بالذات… بصراحة… لا أثق بإعطائهم تلك السلطة المتمثلة ببنود هذا القانون بصورته الحالية، ستكون كارثة جديدة سنندم ونبكي عليها كثيرا بعد فوات الأوان!

 

طيب وما الحل؟

هناك عدة أمور يمكن اللجوء لها لمقاومة (مشروع) القانون هذا. عمليا، إن تم إقرار القانون فسينتعش سوق الحسابات الوهمية. شخصيا سأغير اسمي من مؤيد إلى “فريد“! ولندع وزارة الإعلام تلاحق هذا الـ”فريد” الذي ينشر تدويناته وتغريداته من حسابه الذي أنشأه في جمهورية الدومينيكان! نعم ذلك ليس حلا منطقيا… لكنه قد ينفع في هذا الزمن المظلم.

الحل الأصح هو الوقوف الجاد في وجه هذا القانون المشبوه وعباراته المطاطة!

نعم، يجب أن يرفض مشروع القانون هذا بشدة ويقتل في مهده. حتى الآن هناك أمل، فمشروع القانون هو مسودة أساسية، يجب أن يعرض على مجلس الأمة ويناقش ويقر بالأغلبية حتى يصبح ساريا. وهذا الأمر مخيف، فأعضاء مجلس الأمة الحالي يخشى منهم بصراحة بسبب مواقفهم السابقة. فمشروع قانون الصوت الواحد أقر من هذا المجلس، وقانون البصمة الوراثية أيضا أقر من قبل قبل هذا المجلس… ومن دون حتى مناقشة! لذلك إن تُرك أعضاء المجلس بحال سبيلهم فأقولها لكم… على الحرية السلام!

لابد من إثارة هذه القضية شعبيا بين أوساط المدونين والمغردين وغيرهم من أصحاب الشأن، كما يجب إثارتها ثقافيا بين أوساط الإعلاميين والحقوقيين والأكاديميين. يجب إيصال صوت الرفض لهذا المشروع وصيغته المهلهلة إلى أعضاء مجلس الأمة والضغط عليهم لرفضه… أو على الأقل تعديله. ونعم، إن تطلب الأمر فلا خير فينا إن لم ننزل للشارع للمطالبة بحريتنا، فحريتنا على الإنترنت هي آخر أعواد القش التي نتمسك بها… إن فقدنها فمصيرنا هو الغرق في بحر العار!

عندما منعت كتبنا قيل لنا “انشروها على النت” أو “انشروها خارج الكويت وسنشتريها عبر النت“. عندما أقفلت صحفهم قالوا “ما حاجتنا للورق، لدينا فضاء الإنترنت!“، عندما قيدت تجمعاتكم ومسيراتكم قلتم ““لا تنفروا في الحر”، لديكم الإنترنت… فغردوا كما تشاؤون فيه!“. فكيف ستصنعون إن منع عنكم التعبير على النت؟

أو لا تفعلوا شيئا، سيكون النت جميلا إن تفرغ له أهل البلع والبوح والتهريج… والفاشينيستا!

التنمر الإنستاجرامي

bully

من المعضلات التي أواجهها على الإنستاجرام هي إيجاد أناس “محليين” لأتابعهم، بالطبع فإن لكل منا معايير لنوعية الحسابات التي يحرص على متابعتها، وهي معايير تختلف من شخص لآخر، بالنسبة لي يجب أن يكون من أتابعه يقدم صورا من تصويره وليست مجمعة من جوجل أو الوتسآب أو غيرها من المصادر، كما يجب أن تكون الصور “جميلة” وفيها نوع من الإبداع، ويجب أن لا تكون صورا مشبعة بالفلاتر الفوتوشوبية أو غيرها بشكل يخرجها من روحها الطبيعية، ويفضل كذلك أن تكون غالبيتها مصورة بكاميرا الهاتف وليست صورا احترافية… ولكن قد أتنازل عن الشرط الأخير إن كانت الصور ذات مستوى ممتاز.

هناك بالطبع أشخاص يمكن أن أتنازل عن جميع الشروط السابقة من أجلهم وهم الأهل والأصدقاء المقربين، ولكن حتى هؤلاء قد يفيض بي الكيل وأحرمهم من تفضلي بمتابعتهم أحيانا إذا مصّخوها 🙂

هناك شرط أخير هام جد – وهو محور هذا البوست – وهو ألا يكون الحساب مقفولا أو برايڤت.

متابعة قراءة التنمر الإنستاجرامي

الاستنساخ الفني

Barack_Obama_Hope_poster الأمل

أغلبنا يعرف البوستر في أعلى هذا الموضوع، إنه بوستر “الأمل” (Hope) الذي انتشر أيام الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام ٢٠٠٨ والتي تظهر فيه صورة الرئيس الأمريكي باراك أوباما (المرشح في حينها) بالألوان البوسترية المبسطة، مصمم البوستر هو شيبارد فايري وقد بنى تصميمه هذا مستعينا بإحدى صور التي حصل عليها – أغلب الظن – من الإنترنت… وهنا مكمن المشكلة، الصورة الأصلية التي استعان بها شيبارد نشرت بواسطة شبكة الأسوشيياتِد برِس الإخبارية قبل عامين من ظهور التصميم، شيبارد طبعا ظن بالبداية بأن مشروعه البسيط يدخل في إطار ما يسمى بالاستخدام العادل للعمل الفوتوغرافي (fair use) وبالتالي فإنه لا مشاكل قانونية ممكن أن تطاله، لكن هذا الكلام ما مشى على الأسوشييتد برس التي أعلنت عام ٢٠٠٩ عزمها على مقاضاته بدعوى انتهاك حقوق للملكية الفكرية، بعد مباحثات بين الطرفين تم الاتفاق على حل الإشكال خارج المحكمة دون الإفصاح عن تفاصيل هذا الإتفاق… لكن من الواضح أنه اتفاق يرضي الجميع ويستفيد منه الطرفين.

متابعة قراءة الاستنساخ الفني

ثقافة الزومبي

أبسط جواب يأتيك عند سؤالك عن ما هو الزومبي هو أنهم “الأموات الأحياء”، ولكن هل تعلم ما هو تاريخ الزومبي الحديث وما هي الثقافة المتفرعة عنهم؟ وما هي علاقتهم بنا نحن “الأحياء الأحياء”؟

تحذير: هذا الموضوع قد لا يناسب أصحاب القلوب الضعيفة!

متابعة قراءة ثقافة الزومبي

من فنون الأزمات: تحت النار

تحت النار

لا أستطيع أن أتقبل الفكرة الشائعة بأن الأزمات هي عدوة التنمية والتقدم والتطور البشري، الكثير من الشعوب تستخدم (اًو يستخدم لها) عذر مرورها بأزمات اقتصادية أو سياسية أو حتى إنسانية كشماعة لتبرير ما تعانيه من تخلف اجتماعي أو ثقافي أو علمي، أوردت في مقال الصورة الكبيرة مثال شماعة الغزو التي كنا في الكويت في فترة التسعينات نستخدمها كمبرر لجميع مشاكلنا من مبانينا المتهالكة حتى ارتفاع نسبة الطلاق وانتشار “العادات الغربية”، وهذه الشماعات نراها مستغلة في العديد من مناطق العالم المتأخر حضاريا (أكره استخدام هذا المصطلح ولكني الجأ له هنا لأسباب يطول شرحها)، الدول العربية مثلا ظلت تلوم الحروب والاستعمار والتأثير الصهيوني وتسلط الحكام الديكتاتوري وتعتبر هذه العوامل من أهم أسباب تخلفها الحضاري، كذلك الأمر في الدول الأفريقية والكثير من الدول الآسيوية بشكل أو بآخر، هذه الأزمات والمشاكل بالتأكيد أثرت بشكل جدي على حياة هذه الشعوب لأنها تمس اقتصادها واستقرارها السياسي وحتى أمنها، ولكن هل هناك علاقة مباشرة بين شل هذه الأزمات “لماديات” البلد وبين شلها “لعقول” شعبه؟

الحربين العالميتين ونسبية الحاجة

الحربين العالميتين هزتا أوربا وشلتا اقتصاد دولها.. بل واقتصاد العالم أجمع (بما في ذلك الكويت)، طاقات الدول استزفت في سبيل المجهود الحربي ولم يتبق للناس من الأموال الا ما يسد الرمق، هناك تقليد في بريطانيا وقت الكريسميس بأن توضع للأطفال في جورب الهدايا “برتقالة”، أصل ذلك التقليد – كما تذكر بعض الروايات – يرجع لأيام الحرب العالمية الثانية حيث كان الآباء لا يملكون المال لشراء الهدايا الثمينة لإسعاد أطفالهم بالمناسبة فيلجأون لتقديم برتقالة كبديل لذلك! أثناء هذه الفترة العصيبة من حياة البشرية لم يكن هناك مجال للترف ورغد العيش، حتى التجار وملاك المصانع والمزارع كانت تمارس عليهم الضغوط من قبل الحكومات للمشاركة بالمجهود الحربي، لكن هل معنى تعطل الترف أن التنمية الحضارية أيضا توقفت؟ هل انتظرت البشرية الحرب لتنتهي قبل أن تمارس الإبداع والابتكار؟

من الكليشيهات المتداولة هي مقولة أن الحاجة أم الاختراع، وذلك ليس دائما صحيح حرفيا برأيي، فالحاجة بالنهاية أمر نسبي كما سأوضح لاحقا، العلوم مثلا خلال فترة الحربين العالميتين تطورت بشكل خاص لخدمة الحرب في مجالات الطيران والمواصلات والاتصالات والملاحة الحرية والطب بالإضافة لصناعة الأسلحة التقليدية وغير التقليدية، كما تم تطوير المصانع وخطوط الإنتاج لتواكب الطلب الكبير على المنتجات الحربية، هذا التطور العلمي والتكنولوجي بالطبع لم تقتصر فائدته على الحروب فقط، فبعد انتهاء الحرب تمت إعادة تأهيل هذه الصناعات والتكنولوجيات لصالح الخدمة المدنية للبشرية، الكثير من المصانع التي كانت تصنع الدبابات والطائرات الحربية أثناء الحربين تصنع اليوم أرفه السيارات وأحدث الطائرات المدنية، أضف لذلك الأدوية والعلوم الطبية التي طورت لعلاج الجنود ووقايتهم من الأمراض وآثار الحروب الكيماوية والبيولوجية التي إما إنها مازالت تستخدم إلى الآن أو كونت نواة للعلوم المستخدمة ليومنا هذا، هل هذه العلوم والتكنولوجيا الحربية حاجة أم ترف؟ برأيي أنها تجمع الإثنين معا، قد ينظر لها على أنها حاجة من أجل تحقيق غاية حفظ الأرواح والإنتصار بالحرب، ولكن حتى بدون تطوير هذه العلوم فإن الحرب ما كانت لتقف، كان بالإمكان الإستمرار بحروب السيوف والبنادق البدائية – كما كانت حالتنا كعرب ومسلمين في تلك الفترة – دون وجود “حاجة” للتطوير، إذن الحقيقة التاريخية تبين لنا أنه كان هناك اختيار وقرار لتطوير الذات، البعض آثروا أن يستمروا بالتطور والإبداع رغم ظروفهم الصعبة وآخرين لم يفعلوا ذلك رغم تشابه الجميع من ناحية “الظروف”، فريق اعتبر العلوم “حاجة” تمخضت عن اختراعات ساهمت في نصرته العسكرية، وفريق ربما اعتبر حاجاته عبارة عن أموال وأراض ومحظيات أو اعتبرها عقائد وأخلاقيات وقيم تمخضت عن قصص وأمجاد وتضحيات، كلا الفريقين ركزا على حاجاتهما ففازا بها… فهنيئا لكل فريق بما فاز.

لو كان التطور مقتصرا على العلوم والتكنولوجيا الحربية لكان الأمر منطقيا وأبسط تفسيرا، لكن التنمية الحضارية التي أريد التركيز عليها في سلسلة مقالاتي هذه لا تقتصر على ذلك، هل توقف تطور العلوم الإنسانية أثناء الحرب في أوربا؟ ماذا عن الأدب؟ ماذا عن الفن؟ سأخصص لفن وفناني الحروب مقالا منفصلا، لكني سأركز الآن على تطور “الفكر” الفني كأحد مجالات الفكر الإنساني خلال وبعد فترة الحربين العالميتين.

النسيج

يجب الأخذ بعين الإعتبار بأن الفكر الإنساني لا يمكن أن يقسم على شكل فترات أو مراحل منفصلة، أي إننا عند الحديث عن الفكر الإنساني المتعلق بالحرب فإن هذا الفكر لم يهبط من السماء أثناء تلك الفترة لينقطع بعد انتهائها، بل يعني أن الحرب كانت واحدة من العوامل التي أثـّرت على مسار خيوط النسيج الفكري، ذلك النسيج مترابط ومتداخل وممتد دون انقطاع منذ بدأ التاريخ إلى أن يرث الله الأرض وما عليها، لا يمكن لخيوط هذا النسيج أن تقف.. بل إنها مستمرة بالحركة وإن تغير اتجاهها ومدى تعقدها و”تكلكعها”، الحروب والأزمات تدخل كمؤثر على مسار الفكر وتتفاعل مع مقوماته الراسخة كالتاريخ والدين والاقتصاد والتجانس الاجتماعي والتقدم العلمي وغيرها من مكونات الفكر (أو الثقافة)، فالفكر الإنساني هو خليط معقد متعدد المكونات ولا يمكن اختزاله بمؤثر واحد أو حده بزمن أو رقعة جغرافية ضيقة، ذلك الخليط “الهجين” يجعل من الفكر والثقافة “عملية” مستمرة دائمة الحركة وليس “نظاما تربويا” جامدا. تجاهل هذه الفقرة.

مؤثر الحرب

أثرت الحربين العالميتين على الفكر الفني بشكل كبير، ففي حين كان الفنانون الغربيون يجاهدون للتخلص من قيود الفنون الأوربية الكلاسيكية بجمود مواضيعها ورتابة تشكيلاتها من خلال اختراع حركات فنية جديدة ثائرة عليها (كالتأثيرية والرمزية) جاءت الحرب لتنسف فكرة الفن من أساسها! الحرب بما صاحبها من فوضى وتحطم لآمال الإنسانية كانت محفزا ساهم في تسريع وتضخيم الثورة الفنية التي كانت قد ابتدأت في نهايات القرن التاسع عشر، قد يتوقع البعض بأن أزمة شديدة كالحرب العالمية الأولى كفيلة في القضاء على أي أمل في تطور “ترف” فكري كالفن، فهاهي الناس تموت تحت نيران القصف والشعوب تشرد والمدن تدمر والقرى تحرق والأطفال تجوع… فمن هو ذلك “الفاضي” الذي تحت وطأة كل ذلك عنده مزاج لأن يرسم وينحت ويبدع؟! ومن تحت وطأة كل ذلك لديه من العقل ليس فقط لدراسة الواقع.. بل لتطويره والنهوض به؟ بالنسبة للعلوم فقد افترضنا جدلا أنها كانت حاجات ولدت اختراعات، لكن الفنون – جدلا أيضا – عقيمة لا تلد… لأنها ليست حاجة، أليس كذلك؟ لا أظن، كونها تطورت خلال الحرب (كما سأثبت لاحقا) فهذا يعني أحد أمرين: إما أن مبدأ “الحاجة أم الإختراع” مبدأ خاطئ، أو أن الفنون هي بالفعل حاجات ضرورية وليست من الكماليات! سأترك لكم اختيار أحد هاذين الافتراضين وسأنتقل إلى ضرب أمثلة على تطور الفن أثناء الحرب وبعدها.

Marcel Duchamp, Fountain, 1917
Marcel Duchamp, Fountain, 1917

دادا وما بعدها

لعل واحدة من أشد الأفكار الفنية تأثرا بالحرب كانت “الدادية”، كلمة الدادية أو الدادا ليس لها معنى، فهي فكرة تخالف المعنى أصلا وتقف ضده، هي حركة فوضوية، فكما أن الحرب بالأساس سخافة لا معنى لها جاءت هذه الفكرة وكأنها تردد قول أبي العتاهية:

إنما الدنيا على ما جبلت .. جيفة نحن عليها نصطرع

من أبرز فناني هذه الحركة وروادها هو مارسيل دوشامب ، Marcel Duchamp أحدث دوشامب ضجة عندما شارك في معرض جمعية الفنانين المستقلين عام ١٩١٧ بعمل عبارة عن مبولة (مكرم السامع)… وليته كان قد صنعها بنفسه.. بل انه اشتراها من السوق ووقعها (أو تم توقيعها له) وسلمها للجنة المعرض بعد أن أطلق على العمل اسم “نافورة”، ما قام به دوشامب يمثل انقلابا على النظرة التقليدية للفن، ففي حين كان ينظر للفنان في الغرب على انه هو المبتكر والمبدع وهو من يفرض رؤيته على الجمهور حاول دوشامب تغيير هذه النظرة ليؤكد على أهمية “الجمهور” في إدراك قيمة العمل الفنية، نافورة دوشامب مثلا لا يمكن اعتبارها عملا فنيا إلا إذا آمن المشاهد بأنها كذلك، وكلمة المشاهد هنا تشمل راعي الفن ومنظم المعارض والناقد بالإضافة إلى المشاهد العادي.

فكرة دوشامب هذه لم تقف عند هذا الحد بل استمر نقاشها ونقدها وتطورت حتى أتحفنا رولاند بارت Roland Barthes في الستينات من القرن العشرين (بعز أيام الحرب الباردة) بمقالته الشهيرة “موت المؤلف Death of the Author”، والموت هنا ليس حرفيا… بل إن ما يقصده بارت هو موت أهمية المؤلف أو مبدع العمل، يرى بارت بأن جميع العناصر المكونة للثقافة (كاللغة مثلا أو عناصر العمل الفني) عبارة عن رموز مكررة موجودة بالطبيعة ويستطيع الكل إدراكها والتعامل معها، ما يقوم به المؤلف أو الفنان هو مجرد خلط لهذه الرموز، لذلك فالمؤلف لم “يخترع” شيئا جديدا… فهو مجرد خلاط! وهذا الأمر تستنتج منه عدة أمور.

ألم تشاهد يوما عملا فنيا “سخيفا” عبارة عن شوية شخابيط يباع بمئات آلاف الدولارات؟ ألم تفكر يوما “حتى ولدي الصغير يعرف يسوي جذي!”؟ وهذا تفكير سليم.. ولدك الصغير قد يعرف أن ينتج عملا مشابها… وأنت أيضا تستطيع أن تنتج عملا أفضل منه… ولكنك لم تفعل! الأفكار موجودة ومتاحة للجميع كما ذكرنا… ولكنك – كمؤلف – لم تكن متواجدا لتقوم بذلك… لكن الفنان بو الشخابيط هو من سبقك إلى تأليف خلطة الأفكار تلك وجسدها بشكل عمل فني له قيمة تقدر بمئات آلاف الدولارات.

فكرة أخرى تستنتج من نظرية بارت هي أن معرفة الفنان نفسه وتاريخه وخلفيته الثقافية وحالته النفسية جميعها أشياء غير ضرورية، المهم هو العمل المراد دراسته وليس منتِـج هذا العمل والبيئة التي خرج منها، لذلك يجب التركيز على رموز العمل ذاتها ومحاولة إدراكها كما هي حسب فهمنا لها، هذه الفكرة تناقض الكثير من الأفكار النقدية السابقة لها مثل المونوجرافية التي تدرس سيرة المؤلف (وهي منتشرة بثقافتنا العربية بشكل كبير جدا!) أو الإجتماعية الماركسية التي تدرس تأثير الحالة الطبقية أو النفسية الفرويدية التي تدرس تأثير نفسية الفنان وعقده على أعماله… والعديد من النظريات النقدية الأخرى.

المخاض

شخصيا قد لا أتفق مع كلام بارت ولي عليه عدة مآخذ ليس هنا مجال ذكرها، ولكن ما يهمنا هنا هو مبدأ استمرارية التطور في الفكر النقدي وتأثر النقاد والفنانين ببعضهم البعض، ذلك التطور الفكري – وهو أحد أهم أسس التقدم الحضاري – كما شاهدنا وسنشاهد بمقالات قادمة لم يتوقف أو يتراجع بسبب أزمة أو حرب، الفكر والفن والأدب والنقد وحتى العلم ليسو ترفا يركن جانبا إذا ما جاع الإنسان أو خاف أو اكتأب وتحبط، بل هي حاجات ضرورية لا تنفك أن تلد الإختراع تلو الآخر، من ينشد تقدما حضاريا لا ينتظر حتى “تهدأ” الأمور ويعم السلام والاستقرار وتحل الأزمات ويفرجها الله ويزورنا المهدي أو سوبرمان… ويصحى الحبيب! بل العكس تماما… الأزمات والحروب والضوائق كانت دائما ملهمة الفنانين والأدباء والشعراء على مر العصور، من نهض وبادر وتحرك وقت الأزمات هو من مازال يذكره التاريخ، ومن رعى واهتم ونجح في تشجيع هذه الحركات هو من انتصر، أما من آثر الجلوس في مقعد الاحتياط بانتظار الفرج فلم يترك لنا أثرا نذكره به، تلك الحقيقة البسيطة هي أوضح ما يمكن أن نقرأه في التاريخ، وإن لم ننتبه لهذه الحقيقة فإننا لا نكون قد استفدنا من قراءاتنا سوى شعورنا اللحظي بنشوة الأمجاد الزائلة… والحضارة لا تبنى بنشوة.