أرشيف التصنيف: Philosophy

أدب الخرفان

sheeps أدب الخرفان

 

خلال السنوات القليلة الماضية بدأت تظهر حركة أدبية معاصرة على الساحة المحلية على يد عدد من الكتاب الشباب، وتبرز آثار هذه الحركة الأدبية الشبابية بشكل خاص كل عام في معرض الكتاب الدولي في الكويت، إنتاج هذه الحركة الأدبية ذو مستوى متفاوت، بالطبع هناك الجيد وهناك ما هو أقل من ذلك، وهذا هو حال الأدب في كل مكان وزمان. في هذا المقال سأتحدث عن أسباب نشوء هذه الحركة الأدبية، أهميتها، هل هي حركة طبيعية أم حالة شاذة؟ وكيف يمكن أن نبني مواقفنا تجاهها؟ في مقالات أخرى قد أتناول كذلك فائدة هذه الحركة الأدبية الشبابية من الناحية الثقافية وكيف يمكن أن نستفيد منها بعد ننتهي من حركة السخرية السائدة تجاهها هذه الأيام.نشأة الحركة

ساعد على ظهور هذه الحركة الأدبية الجديدة العديد من العوامل، منها نشوء بعض دور النشر الجديدة المختصة بالإنتاج “الشبابي” كما تطلق على نفسها، ودور النشر تلك وعت لأهمية الإنتاج الشبابي ودعمته مشكورة، قد يكون الغرض من هذا الدعم ماديا قبل أن يكون ثقافيا… ولكن بالنسبة لنا هذا الأمر لا يهم، المهم الآن هو إدراك أن دعم الشباب من قبل دور النشر الجديدة هو أمر لم يكن معتادا بالسابق، وهو أمر أثر حتى على بعض دور النشر “القديمة” التي أخذت تتنازل عن مواصفاتها القياسية تدريجيا، فلم يعد اسم الكاتب ومستواه الأدبي مهما كما كان بالسابق وصار الغرض هو “عملية” الإنتاج قبل أن يكون قيمته، وهم معذورون بذلك بسبب ما يعانيه الكتاب عالميا من خطر بسبب التطور التكنولوجي.

من أسباب نشأة الحركة كذلك تعاظم دور الإعلام الاجتماعي الذي ساهم في نشر صورة هؤلاء الكتاب الشباب وجعل من بعضهم شخصيات “نجمة”، مما شجع الشباب على خوض هذا المجال بأي شكل ممكن من أجل البروز وتحقيق ذلك البرستيج الثقافي/الاجتماعي. حبر التوقيع المسكوب على الصفحة الأولى من الكتاب يعتبره البعض – من الكتاب أو القراء – أثمن من الكلمات التي تحتويها دفتيه، حفلات التوقيع وما يصاحبها من صور و”سلفيات” تعتبر واحدة من أفضل أشكال الدعاية الاجتماعية والتي قد تستثمر لاحقا في كافة المجالات الاجتماعية والاقتصادية أو ربما السياسية.

ساهم الإعلام الاجتماعي كذلك في تبسيط عملية الكتابة ذاتها وتقريبها من الناس، حيث تغيرت صورة الكاتب من كونه شخصية غامضة ومنعزلة ومعقدة إلى كونه أي شخص يستطيع أن يطبع كلماته وأفكاره وخواطره على الكيبورد وينشرها للناس، فمن يستطيع كتابة خاطرة تحت صورة على الإنستاجرام يمكنه أن يكتب كتابا. كذلك لا ننسى السهولة النسبية في عملية إنتاج الكتاب اليوم بسبب التطور التكنولوجي والانخفاض النسبي للمجهود والتكلفة المصاحبة لها. كل ذلك أدى إلى بروز هذه الحركة الأدبية الشبابية المعاصرة والتي أتوقع أن تصبح واقعا مفروضا علينا شئنا ذلك أم أبينا.

فوائد

مردود الكتابة والنشر كبير ويستفيد منه الكثيرون، فتكلفة الكتاب بسيطة والمردود المادي منه لا بأس به… إن سوق الكتاب جيدا وبيع بشكل جيد، ويستفيد ماديا من إنتاجه الكثيرون، فالكاتب يستفيد والناشر يستفيد والمصمم والمطبعة والبائع يستفيدون. لذلك طالما استمر الإنتاج الأدبي ستستمر مكائن المطبعة بالدوران مساهمة في إبقاء الكتاب على قيد الحياة، وذلك أمر هام جدا.

وفائدة الكتاب، أي كتاب، ليست مادية وحسب، فالكتاب إنتاج فكري يعكس حالة المجتمع ويوثقها وفي بعض الأحيان يوجهها كذلك. هل كلامي هذا عن الفوائد الفكرية للإنتاج الأدبي كلام مثالي شاعري لا ينطبق على الأدب الركيك والمنحط – كما يراه البعض – الموجود على الساحة اليوم؟

نعم ينطبق!

لكي نستوعب ذلك علينا أن ننظر للإنتاج الأدبي ككتلة كاملة وليس لإنتاج أشخاص منفردين أو جماعات محددة، هذه النظرة الشاملة ستجعلنا ندرك بأنه عوضا عن التركيز على “مستوى” الأدب علينا بالفعل أن ننظر “لوجوده”. برأيي نعم، الإنتاج الأدبي هام من الناحية الكمية وليس فقط من حيث النوعية، ووجود كتّاب وقراء كثر بمختلف المجالات والمستويات أفضل من وجود نخبة ضئيلة تكتب وتقرأ بينما الأكثرية لا تدري عن هوى دار الكتاب!

الإنتاج الأدبي الوافر، وتهافت القراء على استقباله، مؤشر إيجابي برأيي. كونك تقرأ، مهما كانت قراءاتك سخيفة بنظر بعض الناس، أفضل من هجرك للقراءة. ووجود الكتّاب، بغض النظر عن مستواهم، أفضل من انعدامهم. تداول الكتاب يعزز عادة القراءة لدى الناس، ويشجعهم على نقاش ما يقرؤون ونقده وتقييمه. فإن استمر الناس على هذا الحال سنجد أن المستوى تدريجيا قد تطور وارتفع، فالزبد سيذهب هباء وما ينفع الناس سيبقى في الأرض، وذلك ما سأحاول توضيحه في القسم القادم.

حقيقة الشذوذ الأدبي

سأبدأ دفاعي عن ذلك الأدب المغضوب عليه بسؤال، هل تستطيع أن توجه انتباهي لدولة معينة أو فترة زمنية محددة الإنتاج الأدبي فيها كامل ومثالي وبقمة الرقي؟

هل نتحدث عن “الغرب”؟ ادخل أي مكتبة كبيرة في أمريكا أو أوربا وستجد على أرففها الكثير من الكتب الثمينة وبجانبها كتب بغاية السخف وبقمة الانحطاطا (وذلك يعتمد على تعريفك لمعنى الانحطاط)، ستجد كتبا سخيفة المحتوى ولا تقدم للقارئ أي فائدة، كما ستجد أيضا كتبا تحاول أن تكون محترمة لكنها مقدمة بأسلوب ركيك يجعل منها وقودا جيدا للمدافئ! لا داع لتزور المكتبات ابحث في قسم الكتب في موقع أمازون عن أي موضوع ولاحظ كمية الكتب التي ستظهر لك ولتقييم الناس – أو تجاهلهم – لها وستستوعب ما أقصد.

هل نتحدث عن كتب أيام “زمان”؟ عن أيام طه حسين ورفاعة الطهطاوي وقاسم أمين وزكي جمعة؟! عن أيام المتنبي والفرزدق والحطيئة والجاحظ؟ المتبحرون في الكتب الكلاسيكية للأولين يمكنهم أن يدلوك على عناوين بعض الكتب التي تتحدث في أمور تجعل وجنتا أجرأ كاتب من كتابنا الشباب تحمرّ خجلا! ناهيك عن كتب السحر والشعوذة والدجل وقصائد المجون ونفخ الجوخ والاستعراضات اللغوية الفارغة، بل حتى بعض كتابنا “الكبار” لديهم أعمالا تفشّل! هل مرت عليك قصيدة “ما أنصف القوم ضبة” للمتنبي (+١٨

إن لم تقرأ “ما أنصف القوم ضبة” فذلك لحسن حظك أولا، ولأنها ليست من القصائد المقررة في المدارس ثانيا، ولأنها في بعض الأحيان لا ترد كاملة – للأسف – حتى بدواوين المتنبي المطبوعة حديثا. اسأل نفسك ثانية، لماذا هذه القصيدة – وغيرها من الأعمال الهابطة – لا تدرس بالمدارس ولا تطبع في بعض طبعات الكتب الحديثة؟ الجواب على ذلك ببساطة لأن الثقافة المتوارثة اختارت تجاهل ذلك العمل، لأنه عمل لم يفرض نفسه، وذلك على خلاف أعمال المتنبي الأخرى العظيمة وأعمال الكتاب الكبار الآخرين من الأولين ومن التاليين. هي بالنهاية عملية انتخاب طبيعي، يفرض القوي فيها نفسه والضعيف يندثر.

وذلك الأمر ينطبق كذلك على أعمال الأجانب، ملايين الكتب تطبع كل عام، كم كتاب منها عليه القيمة وله تأثير إيجابي في المجتمعات ويساهم في تقدم الإنسانية ونشر الثقافة الهادفة؟ (أنظر لهذه الإحصائية… المخجلة) من ملايين الكتب هذه سنجد مئات الآلاف من الكتب السخيفة والمملة والعنصرية والخلاعية والمضرة للإنسانية، تلك الكتب في أغلب الأحيان يتحول جزء منها إلى أرشيف المكتبات والبقية إما تتم إعادة تصنيع أوراقها أو تتحول إلى وقود.

الحد الفاصل بين الكتاب المخلّد وكتاب الوقود هو مقدار ما نولي ذلك الكتاب من اهتمام، لو كتب المتنبي قصيدة “ما أنصف القوم ضبة” في أيامنا هذه لصار مصيرها إلى واحد من اثنين، إما أن يقرأها مجموعة بسيطة من أصدقائه فيضحكون عليها قليلا وثم ينسونها، أو أنها ستنتشر في جروبات الوتسآب وفيديوات اليوتيوب وتتحول في تويتر إلى هاشتاق #ضبة فيضحك الناس عليها أو يغضبون على المتنبي بسببها وربما يناقشها مجلس الأمة في أقصى الأحوال، قد تصبح القصيدة قضية الناس لمدة أسبوع أو اثنين… لكنّها بالنهاية بكل تأكيد لن تدرج في مناهج اللغة العربية في مدارسنا… لأن انتشارها شعبيا لن يقلل من مقدار الانحطاط الموجود في كلماتها. نعم اهتمام الناس بها – ولو مؤقتا – سيعطيها أهمية وربما يطيل من عمرها قليلا، لكنها لن تكون القصيدة الخالدة التي نتذكر المتنبي بها.

بنفس الوقت، لو أننا قررنا محاربة المتنبي ولعنّا سيرته ومنعنا كتبه ومؤلفاته بسبب تلك القصيدة الهابطة لخسرنا الكم الكبير من أعماله العظيمة، قِس على ذلك أعمال الكثير من المؤلفين والكتاب والفنانين، لو أننا حطمنا نزار قباني بسبب تأليفه لديوان “طفولة نهد” لحرمنا أنفسنا من “حبيبتي” و”قاموس العاشقين” و”قصيدة بلقيس” و”هوامش على دفتر النكبة”.

لذلك مهما شاهدنا وقرأنا من كتب لا تعجبنا لنتذكر بأن تلك الأعمال لا تمثل نهاية العالم. كل كاتب، كبيرا كان أم صغيرا، لابد له من شطحة هنا أو هناك، لا يوجد كاتب كامل. نعم واجبنا أن ننقد ونبين رأينا فيما نقرأ، لكن لا داع لإعطاء الأمر أكبر من أهميته ونطالب بمنع هذا ومحاسبة ذاك، ولا نقسوا على كتابنا كثيرا… خاصة الشباب منهم، فغدا سيكبرون… وقد يعقلون وينتجون أعمالا تخلد بدل إنتاج الوقود مما لا يعجبنا.

IMG_1069.JPG

============

ملاحظة:

– الصورة الواردة أعلاه من الصور المتداولة في تويتر لإحدى الأعمال الأدبية الصادرة مؤخرا، لا أعرف إلى الآن اسم العمل ولا صاحب الصورة.

لا ينظلونك: ثقافة الحسد والعين

img185

 

إن كنت تبحث عن نقاش ديني ثيولوجي حول حكم العين والحسد وحقيقتها في ظل الكتاب والسنة والخلاف الديني/العلمي بالمسألة فاسمح لي أن أقول لك بأنك في المكان الخطأ! حديثي في موضوع الحسد والعين سيكون ثقافيا بحتا حول تأثير هوس الناس بهذا الموضوع على طريقة تفكيرهم وعلى تصرفاتهم وعلاقاتهم الاجتماعية وحتى توجهاتهم الاقتصادية، إن كنت ترى هذا الجانب «المحسوس» أكثر أهمية لديك من الجانب «الغيبي» فاستمر معي، مع تأكيدي لك بأنك ستقرأ جانبا من الموضوع ربما لم يخطر على بالك من قبل.

الفرق بين الحسد والعين

بالبداية يجب أذكر سبب اختياري لعنوان ثقافة الحسد والعين، مالفرق بين الحسد والعين؟ الحسد(Envy)يقصد به الإحساس بالنقص عند ملاحظة وجود شيء قّيم لدى الغير (مال، أولاد، مكانة اجتماعية… الخ)، فهو إذن شعور نفسي موجود لدى جميع البشر بدرجات متفاوتة، قد يصحب هذا الشعور نزعة حقد تتمنى زوال ذلك الخير من الآخرين، أثر الحسد النفسي والاجتماعي بكثير من الأحيان يكون سلبيا، في حالات معينة قد يكون الحسد إيجابيا إن أدى بالحاسد إلى أن «يشد حيله» ليحصل على خير مشابه للآخرين.

أما العين (Evil Eye) فهي الاعتقاد بقدرة الشخص على إلحاق الضرر بالآخرين عن بعد (عن طريق النظر كما هو شائع)، عادة ما ترتبط العين بالحسد، فالاعتقاد السائد هو أن الحاسد عندما يشاهد ما يشتهيه لدى الغير فإن بإمكانه أن يصيبه بالعين ويسبب له الضرر… بقصد أو دون قصد.

منشأ ثقافة الحسد والعين

من خلال عملية بحث بسيطة يتبين لنا أن مبدأي الحسد والعين موجودان في العديد من الثقافات والديانات والمعتقدات، بالنسبة للحسد فقد حذر منه القرآن كما دعت لاجتنابه الديانات اليهودية والمسيحية والهندوسية والبوذية بالإضافة لحديث الفلاسفة وعلماء النفس عنه، ذلك الاهتمام بأمر الحسد شيء طبيعي لأن أثره النفسي والاجتماعي واضح ومحسوس.

بالنسبة للعين فالأمر مختلف، العين ترتبط بالغالب بالجانب الثقافي من المجتمعات أكثر من الجانب الديني، وجدير بالذكر أن أهم الشعوب المتأثرة بالاعتقاد بالعين هي شعوب الشرق الأوسط ومنطقة حوض البحر المتوسط بالإضافة لبعض مناطق جنوب شرق آسيا وأمريكا الوسطى، قد تكون هناك شعوب أخرى لها اعتقادات مشابهة لم تطلها الدراسات ولكن الملاحظ بأن التركيز هنا على منطقة ما يطلق عليه اسم حضارات العالم القديم، هذا الأمر هام بالنسبة لنا لأنه من خلال دراستنا لتاريخ هذه المنطقة سنجد ارتباطا وثيقا بين تلك المناطق بسبب الاتصال الحضاري بينها مما أدى لتناقل التجارب الثقافية مثل الفنون والحرف والصناعات وحتى بعض مظاهر المعتقدات والأديان على مر القرون، لن أخوض بهذه المسألة أكثر حتى لا نخرج عن مسار حديثنا.

النظرية القائلة بقدرة العين على إصابة الآخرين بالضرر يرجع تاريخها إلى الإغريق (أو الفراعنة كما يذكر البعض) وتستند على فرضية أن أشعة الإبصار التي تخرج من العين قد يكون لديها قوة التأثير المادي بالمنظور، هذه النظرية بالطبع تعتمد على فكرة أن العين تبصر عن طريق الأشعة المنطلقة منها… لكن علماء مثل الحسن بن الهيثم أثبتوا خطأ هذه النظرية منذ قرون طويلة لأن العين لا تطلق أي أشعة بل تبصر عن طريق استقبال الأشعة المنعكسة عن الأجسام… لكن دعنا من الإثباتات العلمية حاليا، ما يهمنا هنا هو أن جزءا من الإرث الحضاري الثقافي القديم (بما فيه ما يتعلق بالعين) نشأ في اليونان أو انتقل منها إلى الحضارة الرومانية… ومنها إلى بقية أرجاء المنطقة، ذلك الإرث الثقافي نجد آثاره بالفن والعمارة واللغة والديانة، الثقافة بالطبع شيء مرن ومتغير ومرتبط بالقوة والسيطرة الحضارية، لذلك من الطبيعي أن تنتقل فكرة مثل فكرة العين إلى مختلف المناطق والحضارات التي وقعت تحت تأثير الحضارة الرومانية أو اتصلت بها ثقافيا، ومن هذه المناطق طبعا منطقتنا العربية، لا أدعي هنا بأن ذلك هو المصدر الوحيد لفكرة العين ولكني أحاول أن أقدم تحليلا تاريخيا منطقيا لذلك، ما يهمنا هو أن فكرة العين قديمة ومنتشرة في مناطق معينة من العالم وأن لها أصل ثقافي وتفسير شبه علمي تناقله البشر على مر القرون وأن مناطق أخرى قد لا تكون تأثرت بنفس الفكرة.

هل العين حقيقة؟

ذكرت بالبداية بأني لن أدخل بهذا النقاش وإن كان هنا هو المكان المنطقي له، لذلك سأترك لكم هذه المساحة الفارغة:

[ أدخل الجدال هنا ]

آثار الحسد الحقيقية

المقصود بالآثار الحقيقية هو الأثر النفسي والاجتماعي للحسد وليس الأثر الإشعاعي للعين، وهنا لا بأس من استذكار أن القرآن الكريم حذرنا من خطورة الحسد ودفعنا للاستعاذة من شره، كما أن الحسد يعتبر أحد الخطايا السبع المذكورة بالتوراة، وتحذر منه كذلك مختلف المعتقدات والفلسفات الإنسانية.

دون الإطالة بالطرح فقط نستذكر أن الشعور بالحسد تجاه الآخرين له ضرر على نفس الحسود، وذلك بالتالي قد ينعكس على تصرفاته التي قد تسبب الضرر للآخرين، فالحاسد تتكون لديه عقدة النقص عندما يقارن نفسه بالآخرين، وذلك قد يدفعه إما إلى الشعور بالإحباط والاكتئاب أو يدفعه إلى تعويض النقص الذي يشعر به بطريقة أو بأخرى، وتعويض النقص نجد آثاره الاجتماعية حولنا بكثرة خاصة في ظل المجتمع الاستهلاكي المعاصر، فيظهر على شكل تهافت على الماديات والكماليات أو على شكل تصنّع بالمظهر والتصرفات، في بعض الأحيان نجد الحسد الناجم عن مقارنة النفس بما يشاهَد بالإعلام من مظاهر الرفاهية المادية يدفع البعض إلى السعي وراء تحصيل المال بأسرع السبل وبأي طريقة ممكنة… بالاقتراض مثلا… أو حتى باللجوء للحصول عليه بالطرق غير القانونية، ومن ذلك تنشأ لدينا مشاكل اجتماعية جمة مثل الاتكالية على الغير وعدم الإنتاجية وحتى الفساد، ولا أزعم بأن الحسد لوحده هو المسبب لتلك المشاكل… بل هو واحد من العديد من العوامل التي يكمل بعضها البعض.

الحسد كذلك قد يصل ضرره المباشر إلى الغير، فالحاسد قد تكون لديه القدرة على إلحاق الضرر المادي على المحسود… حسيا وليس عن طريق الإشعاعات! فقد يلجأ الحاسد إلى تعطيل مصالح المحسود أو تخريبها أو تشويه صورة المحسود أو الحط من قيمة منجزاته أو السخرية منها، هذه العقلية التخريبية تولد لدى الحاسد شعورا بالتفوق والقوة، القضاء على منجزات الناجحين أو الساعين للنجاح أو تعطيلها أو السخرية منها أو الحط من قدرها (حتى ولو بحجة تطبيق اللوائح أو القوانين أو الروتين أو درء الفساد أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر… من وجهة نظر ما) يعطي الحاسد شعورا بالأهمية ويمثل له تعويضا لعقدة النقص التي يعاني منها. قد أكون تطرقت لأمر مشابه لذلك عندما تحدثت عن “التنمر” في مقال سابق.

علينا هنا أيضاً أن ننظر لموضوع الحاسد والمحسود من الزاوية المقابلة والتي لا تقل أهمية آثارها عن ما ذكرنا في القسم السابق، بعض الناس لديه شعور مبالغ فيه بأنه… محسود، وآثار ذلك كارثية كما سأفصل!

المنظول

كما أن البعض يبالغ في النظر إلى الآخرين على أن حظوظهم بالحياة أفضل منه نجد فئة أخرى من الناس ترى أنهم دائما معرضون للحسد (والعين) من قبل الآخرين! يمكن تقسيم سبب هذا الخوف من الحساد إلى سببين: فقد يكون ذلك أحد آثار الشخصية النرجسية أو المغرورة التي ترى نفسها بمكانة أعلى من الآخرين… وبالتالي ستكون معرضة أكثر من غيرها لحسد الحاسدين الذين لا يستطيعون الوصول لما وصلت إليه أو الحصول على ما حصلت عليه، والسبب الآخر هو مجرد الهوس بآثار العين الإشعاعية! أو قد يكون الخوف من الحساد يرجع لاجتماع السببين معا.

الفئة الأولى من الشخصيات المقيدة بفكرة أنها محسودة تميل حالتها إلى التأزم النفسي، لست بطبيب ولا عالم نفسي حتى أحلل الشخصية النرجسية وأسباب تكونها وطريقة علاجها، لذلك لن أتعرض لها بالتفصيل في هذا المقال.

أما الفئة الثانية وهي الشخصية المهووسة بأفكار العين والحسد فمشكلتها ثقافية أكثر منها نفسية، الشخصية النرجسية التي تظن بأن الجميع يحسدها ويحاربها ويحقد عليها موجودة في جميع المجتمعات حول العالم، لكن الثانية وجودها مرتبط بتأثرها بفكرة متداولة في المجتمع الذي تعيش فيه، والهوس بفكرة العين أو الحسد قد يكون له تأثير مقيد للفرد وللمجتمع ككل كما سأفصل تاليا.

قيد الحسد والعين

وجود قوة خارجية سلبية باستطاعتها التأثير على مجرى حياة الإنسان هي فكرة لها تأثير خطير على القرارات التي يتخذها وعلى تبريره لهذه القرارات… حتى لو كانت هذه القوة الخارجية وهمية أو مفتعلة، شعورنا بأن هناك من يراقبها وينتظر زلتنا ويريد الشر لنا يجعلنا نعيد التفكير مرارا قبل أن نقدم على أي خطوة بحياتنا، لا أتحدث هنا عن إعادة التفكير بالقرار بغرض التأني وتخطيط الخطوات فذلك أمر طبيعي لمواجهة عقبات الطريق المحتملة، لكن أتحدث هنا عن التردد خوفا من تأثير قوة خارقة غير متوقعة وغير منطقية يمكنها أن تغير مجرى القدر بأي لحظة دون أدنى سيطرة منا عليها!

كم من موهبة كتمت خوفا من الحسد؟ كم من قوة قمعت خوفا من العين؟ كم من جمال أخفي خوفا من أن «ينظل»؟! لا يمكن للمجتمع أن ينهض دون طموح ودون تنافس بالإنجازات، فإن كان هذا الطموح وهذا الإنجاز يوؤد بالمهد ولا ُيتحدث عنه بسبب الخشية من أن يتعرض صاحبه للعين أو للحسد فكيف السبيل؟

أوضح مثال على ما أقول هو تعاملنا مع الأطفال، أطفالنا رغم براءتهم وانطلاقهم الطبيعي في الحياة – حالهم حال الأطفال في كل مكان في الأرض – نجدهم يتعرضون لكبت وضغط اجتماعي خطير يقتل تلك البراءة ويكبل ذلك الانطلاق، لاحظ تصرفات الأطفال في المرة القادمة التي تدخل فيها مجمعا تجاريا أو حتى بتجمعكم العائلي الأسبوعي، شخصيا لا أرى أطفالا بقدر ما أرى بالغين بأجسام صغيرة، «لا تركض!».. «لا تغنين!».. «لا تلعب!».. «خليج يمي!».. «لا تضحكونه وايد!»… «لا تصورينه!»… «لا يكون تحط الصورة بالانستاجرام!».

مثال آخر على الضرر الاجتماعي لهوس الإصابة بالعين أو التعرض للحسد هو فكرة أن كل من ينتقد أو يتحدث عن شخص أو مؤسسة أو مشروع ناجح يعتبر حاسدا ويريد الشر! نعم ذكرت في فقرة سابقة بأن الحاسد قد يسعى للإضرار بالناجحين بالقول أو بالعمل، لكن الانتقادات هنا يختلف بعضها عن الآخر، الانتقادات الجارحة أو المضرة بالتأكيد يجب أن تكون مرفوضة لأنها قد تدخل في سياق التنمر، لكن النقد العلمي الهادف بقصد الدراسة أو التطوير أو الاستفادة من تجارب الغير هو أمر مختلف تماما. لا أود هنا التركيز على أصول النقد العلمي ولكني مضطر لتقديم أمثلة عن الفرق بينه وبين الانتقاد الشخصاني حتى يتبين لنا الفرق:

عندما أنتقد شكل ممثلة وطريقة كلامها أو لبسها لأن ذلك أمر “لا يعجبني” أو أراه “ينافي قيمي التي تربيت عليها” فنقدي هنا شخصاني ولا فائدة منه، لأن “ذوقي” و“قيمي” الشخصية التي تربيت عليها وآمنت بها ليست مقياسا يعمم على كافة البشر، فالذوق والقيم تعتبر رموزا متغيرة المعنى والدلالة حسب السياق الثقافي كما أوردت في مقالات سابقة. ونعم، قد يكون انتقادي لهذه الفنانة أو تلك الشخصية المعروفة ناتج عن “حسد” مني لمكانتهم! لأن تلك الشخصيات المنتـَقدة لو كانت شخصيات عادية أو مغمورة أو فاشلة لما اثارت اهتمامي ولما أتعبت نفسي في انتقادها، أركز على كلمة “قد” يكون حسدا… لأنه قد يكون راجعا لأي عقدة نفسية أخرى، وحديثي هنا هو لتقديم مثال على النقد الشخصاني غير العلمي على كل حال.

من ناحية أخرى، عندما أنتقد شخصية رجل أعمال ناجح مثلا متحدثا عن ضرر حقيقي (اجتماعي أو اقتصادي) تتسبب به هذه الشخصية مبديا أسبابا مادية يمكن قياسها دعتني للتصريح عن انتقادي هذا فالأمر مختلف، عندما أتحدث عن البيئة الاجتماعية والثقافية التي أنتجت هذا الشخص وعاونته على أن يفلت من قبضة الرقابة المالية (مثلا) فإني بعيد كل البعد عن الحسد «الشخصاني» لهذه الشخصية… أو تلك المؤسسة أو ذلك المشروع. كذلك الأمر بالنسبة للممثلة المشهورة، لو انتقدت تصرفات مضرة ضررا ماديا حقيقيا أو غير قانونية تقوم بها، أو انتقدت فكرة تقوم بترويجها، أو حتى انتقدت أسلوبها في التمثيل أو الغناء لعدم مطابقته للأصول الفنية أو الأكاديمية (وليس ذوقي الشخصي)، فإني هنا لا أحسدها… ولكني أنقدها نقدا علميا غير شخصاني.

نرجع لمسألة قيد الحسد والعين ونذّكر بأن الحديث هنا ليس على مستوى ا لأفراد وحسب، بل تقع المجتمعات كاملة أحيانا فريسة للرهبة من الحسد، فنجدها تبني أسوارا حولها تنظر لكل ما هو داخلها على أنه جميل وكامل وأن كل ما يأتيها من خارج هذه الأسوار يجب التعامل معه بحذر لأن “الآخرين” يحسدوننا على كمالنا ورزانتنا وحسننا وجمالنا واستقامتنا، ارجع لمقال ثقافة السور للمزيد عن هذا الأمر. وهكذا فإن أي مجتمع ينظر لكل نقد يقدم له على أنه ناجم عن حسد وحقد ويرفض تقبل كلام الآخرين نتيجة تكبر ونرجسية أو إعلاء لشأن «المقدسات» التي يتمتع بظلها ولا يقبل المس بها سيكون مجتمعا جامدا يرفض التقدم والتجديد، فكيف يسعى للتقدم وللتجديد من يظن بأنه كامل أو يظن بأن هذه المؤسسة مقدسة وأرقى من أن تمس؟

 

 

خطوط الدفاع

ونأتي هنا لخطوط الدفاع الموجهة ضد الحسد والعين، فبعد العمليات الوقائية المتمثلة في إخفاء وتمويه وكبت المرشح للعين وتسويره بالأسوار الثقافية نأتي للمرحلة الثانية وهي تسويره بمضادات العين، ومضادات العين تأتي بعدة أشكال وأنواع حسب المعتقدات السائدة لدى المجتمع.

هناك فئات من المجتمعات تؤمن بقدرة بعض المواد أو الأشكال أو الألوان على امتصاص أشعة العين الحاسدة، فيقومون برسمها أو تعليقها بالقرب من ما يخشى أن يحسد، أشهر هذه المواد هي الشذر بلونه الأزرق الشذري، والبخور أحيانا يستخدم لطرد العين، وكذلك اللعاب… عن طريق النفخ أو «التفل»!

كذلك من الأشكال المعروفة والشائعة هي ما يعرف بـ “كف فاطمة” لدى بعض المسلمين (أو الـ “خمسة” في بعض الأحيان)، وهي كذلك معروفة لدى المسيحيين باسم “كف ماري” نسبة لمريم العذراء، ولدى اليهود أيضا باسم “كف مريم” نسبة لمريم أخت موسى وهارون، ولا غرابة هنا في تشابه هذه الكفوف وأثرها نتيجة للتقارب والتبادل الثقافي الذي تحدثت عنه أعلاه، ونعم، هناك آثار لهذه الرموز ترجع لأيام حضارة بلاد الرافدين والحضارة الإغريقية وغيرها من حضارت المنطقة.

بعض المسلمين يرفضون الإيمان بقدرة تلك المواد أو الأوان أو الأشكال أو الرموز على إبعاد العين والحسد وضررهما، لكنهم قد يؤمنون بقدرة بعض الآيات أو السور القرآنية أو الأحاديث أو الأدعية على إبعاد تلك الشرور، ومرة أخرى نجدهم يتجنبون استخدام الرموز الكلاسيكية ويستبدلونها بتلك الرموز اللغوية البديلة على شكل كتابات أو لافتات أو منحوتات أو حروز (جيوب تخبأ الكتابات بداخلها) توضع حول المرشح للإصابة بالعين.

في بعض الأحيان يكون الإيمان ليس بقدرة تلك الكتابات بحد ذاتها على الحماية من الحسد والعين، ولكن الإيمان يكون بأن “التلفظ” بتلك الكلمات هو ما يوفر الحماية، بالتالي تعلق أو تكتب في مكان استراتيجي حتى يضطر كل “راء” على قراءتها والتلفظ بها وبالتالي يتم لها أن توفر منظومة حماية آلية من أي نظرة قد تخفي شيئا من الشر.

هناك أساليب أخرى لا تتضمن استخدام كتابات أو رموز مرئية، من هذه الأساليب هي ذبح الذبائح أو إقامة الموائد أو توزيع الصدقات أو الهبات للآخرين، فمن المتعارف عليه لدى بعض المجتمعات بأنه إن قام شخص بشراء بيت جديد أو سيارة جديدة فإنه يتعين عليه أن يذبح ذبيحة بهذه المناسبة درءا للعين، أو أن يقيم مأدبة عشاء إن حصل على وظيفة أو تزوج أو تخرج أحد أبناءه لنفس الغرض، وأحيانا  يُـلحق بهذ الغرض أغراض أخرى كإظهار الفرح أو حمد الإله وشكره على النعمة… يعني ليس فقط لأجل الحسد والعين. وبصراحة فإن قدراتي البحثية عجزت عن إيجاد تاريخ هذا التقليد أو أصله الثقافي أو جذوره الثيولوجية أو الأنثروبولوجية.

وهناك أيضا خط حماية ثالث يتعلق بطرق وأساليب إزالة وعلاج العين، لا أود التطرق لذلك لكي لا أدخل بالدين (إحلف!) لأني أود الاكتفاء بالحديث الثقافي.

 

والله يكافينا وياكم شر الحسد والعين… قولوا آمين 🙂

ڤي فور ڤانديتا

Birmingham Cuts 2011

 

علي أن أعترف بأني قرأت كتاب “ڤي فور ڤانديتا V for Vendetta” للكاتب آلان مور، وهي رواية مصورة، بدافع من الفضول حول الشخصية “ڤي”، تلك الشخصية المقنّعة بالقناع البورسلاني الباسم بشنبه الرفيع المميز، من هو ذلك الڤي الوارد في قصة ڤي فور ڤانديتا؟ ما أهمية هذه الشخصية؟ وما سبب انتشار صورتها مؤخرا وارتباطها بالحركات الثورية المعاصرة؟

بالطبع هي شخصية مجهولة من الأساس ولا ينبغي لنا أن نعرف حقيقتها، وإلا لما أصرّت على ارتداء القناع، ولكني أردت أن أكون فهما للكيفية التي تنشأ منها هذه الشخصية (وليست التي “نشأت” منها!)، هل حقاً يجب أن يكون لدينا ڤي في حياتنا ليلهمنا ويحركنا ويرشدنا نحو طريق الخلاص من الظلم والاستبداد والقهر السائد؟

ربما تحتاج أن تنهي قراءة الكتاب (أو مشاهدة الفيلم على الأقل) قبل أن تكمل هذا المقال، لتفهم وجهة نظري أولا، ولكي لا أفسد عليك نهاية القصة ثانيا… إن كان هذا الأمر يهمك.

علي أن أعترف بأني قرأت هذا الكتاب محملا بأفكار مسبقة وقناعة تامة بأن انتظار هذا الڤي ليس إلا كسلا فكريا تبتلى به الشعوب الجاهلة، وبعد ان انتهيت من قراءة الكتاب لم تزد أفكاري المسبقة إلا تأكيدا، فشخصية ڤي الحقيقية بالنهاية ليست إلا لإنسان عادي، قد يكون أنت أو أنا، مر هذا الإنسان بظروف أثرت على أفكاره وتوجهاته وصاغت شخصيته الثائرة ضد الواقع السائد، وليس الفرد ڤي هو ما يهم، بل الفكرة ڤي هي الأهم والأخطر.

ڤي بالنهاية يقدم لنا تمثيلا رمزيا للعلم والثقافة والأدب والموسيقى والفن والحكمة والتخطيط والقوة العسكرية، كون ڤي في هذه القصة مصور على شكل شخص واحد بارع في كل ذلك يجعل منه شخصية خيالية وهمية بالطبع، لايمكن خلق شخصية كتلك داخل المختبرات أو معامل التجارب كما حصل معه، ولكن مختبر الحياة ومعمل التواصل الإنساني هو ما يجعل منا جميعا – إن وعينا – “المجتمع” ڤي.

وصية ڤي لفتاته إيڤ قبيل وفاته وبعد أن نجح في إشعال الثورة التي ستسقط نظام
وصية ڤي لفتاته إيڤ قبيل وفاته وبعد أن نجح في إشعال الثورة التي ستسقط نظام “الإيمان” تلخص لنا الفكرة ڤي، فكرة أهمية التخلص من القيود لكي نتمكن من خلق مجتمع جديد كما نريد، وأن هدم المجتمع الظالم السائد غير كاف إن لم نقدم له البديل الذي نريده ونرضاه لأنفسنا، وضرورة إدراك أن الفكرة ڤي يجب أن تستمر بعملية الهدم والبناء، وأن لا ترتبط الفكرة بشخص واحد محدد

ڤي كذلك ليس رمزا للفوضى كما قد يصور لنا، كيف يمكن لشخصية فوضوية أن تخطط وتدبر وتنفذ انقلابا حرك شعبا كاملا ضد نظام “الإيمان” السائد والمسيطر عليهم خلال سنة وبضع أيام؟ فهو كما قرأت وشاهدت لم يخط خطوة واحدة في مسيرته الصعبة إلا وهو يعلم إلى أين منتهى طريقه.

ڤي، شخصية ظلمت كثيرا، استغِلت وأسيء فهمها، وإن كنا سنجلس ننتظر طلوعها إلينا حاملة معها التغيير “لأجل التغيير” فإنه يحزنني أن أقول بأن دمك يا ڤي ذهب هدرا!

حياة شفيق الغبرا غير الآمنة: قراءة نقدية

حياة غير آمنة - شفيق الغبرا

 

يحكي لنا شفيق الغبرا في كتابه حياة غير آمنة: جيل الأحلام والإخفاقات قصة محاولة فئة محددة من جيل محدد إحداث تغيير في تاريخ هذه الأمة… وفشلهم في تلك المحاولة!

 

إن كنت قد تأكدت من شيء بعد قراءتي لهذا الكتاب فهو رسوخ اعتقادي المسبق بأن الخلل متأصل في عمق ثقافتنا العربية، وتأثير هذا الخلل – كما تبين لي – لا علاقة له بالمستوى التعليمي أو الأكاديمي للأفراد، السرية الطلابية، تلك المجموعة المثقفة المتعلمة اليسارية المؤمنة بالعدل والمساواة واحترام الرأي واختيارات الإنسان وحقوقه، سرية محاربة منظمة تكونت من خيرة الشباب الجامعي في بيروت في فترة ما بعد النكسة (حرب ١٩٦٧) وسعت لمقاومة الإحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية… ومقاومة قوى التخلف والرجعية العربية في نفس الوقت، يحكي لنا شفيق الغبرا كيف تكونت هذه السرية وكيف انضم لها وكيف تفاعلت هذه السرية مع ما أحاط بها من أحداث وكيف اضطرت لتغيير مسارها مرة تلو الأخرى مجاراة لتلك الأحداث.

يخبرنا الغبرا عن أهمية بيروت كواحدة من أهم المراكز ثقافية في الوطن العربي، وعن دور لبنان كحاضن لشتات اللاجئين والمشردين من أبناء الوطن العربي، وعن الجنوب اللبناني على وجه التحديد كخط المواجهة الأخير مع العدو الأهم و”القاعدة الآمنة” الأخيرة لحركة المقاومة، وكما نعلم فإن البوتقة اللبنانية التي جمعت مختلف أطياف الثقافات العربية انشرخت منذ ضلت أولى الرصاصات طريقها لتتوجه ناحية الأخ العربي بدلا عن المحتل الإسرائيلي، لكن هذا الانشراخ لا يهمني هنا… فأسبابه السياسية والاجتماعية كثيرة ومعقدة ومتداخلة وما كان لأحد أن يسيطر عليه، فبيروت بثقافتها وانفتاحها وحريتها لم تستطع مواجهة مد المصالح والأطماع وطوفان الطائفية والقومية الذين أغرقوها وجرفوا كل ما كانت تتباهى به من جمال… أو غالبيته على الأقل.

ما كان يهمني أثناء قراءتي لهذا الكتاب هو معرفة كيف انحرف مسار تلك الفئة النخبوية من الشباب العربي وكيف ترتبت الأقدار مكونة سدا بينها وبين أهدافها التي قامت عليها، وإصبع الإتهام هنا لا يمكن توجيهه بسذاجة نحو جماعة معينة أو فكرة واحدة أو حدث تاريخي محدد، بل هي سلاسل طويلة من الأحداث يتداخل معها ويشبكها ببعضها البعض إرث عميق من الأفكار والمعتقدات والقيم التي تربت عليها الأجيال، فنجد الغبرا من خلال أحاديثه مع من عاصرهم في ذلك الوقت يجد من يوجهه لهذه الحقيقة… حقيقة أن مشكلتنا الكبرى ليست بالاحتلال ولا المقاومة وحسب، بل مشكلتنا هي بطريقة تفكيرنا القائمة على الفردية وضعف الفكر القيادي والتخطيط بالإضافة لما يسود بيننا من طائفية وطمع وغرور وعدم تقدير لاختلاف الرأي ولا لحقوق الإنسان ولا للمرأة والأقليات، تلك هي القضايا الأهم والتي دون علاجها لن ينفعنا الرصاص ولا المتفجرات… وهذا بالضبط ما أثر على حركة الشباب وحرف مسارها.

قضى شفيق الغبرا ٦ سنوات كمناضل “رسمي” في لبنان، بدأت منذ استقر في بيروت في أوائل مارس ١٩٧٥ منظما للسرية الطلابية، وانتهت (عمليا) بمغادرته لها عام ١٩٨١ عائدا للكويت ومنها إلى الولايات المتحدة، خلال السنوات الثلاث الأولى من عمره النضالي لم يطلق الغبرا رصاصة واحدة تجاه أي هدف إسرائيلي!

لقد انجرت حتى أكثر التنظيمات العسكرية مثالية (السرية الطلابية كمثال) لعملية تشويش للأهداف التي قامت من أجلها، فصحيح بأن التبريرات التي ساقها الغبرا لانحراف مسعاها في محاربة الإسرائيليين وتحرير الأراضي المحتلة قد تكون منطقية نوعا ما… كمحاربة المتواطئين مع إسرائيل تارة وحماية “القاعدة الآمنة” للمقاومة من خطر الأنظمة والتنظيمات التي قد تهدد استقرارها أو تقيد تحركاتها أو تمنع نموها، لكن بالنهاية هؤلاء المتواطئون وتلكم الأنظمة والتنظيمات ومن انضم تحتهم من أفراد يبقون عربا وأشقاء وليسو هم المحتل أو العدو الأساسي الذي تآلف من أجل قتاله هؤلاء الشباب، والغبرا يعبر بأكثر من موضع بالكتاب عن مدى أسفه لاضطراره للقيام بهذه المواجهات التي كان من الأولى تجنبها.

إن أكثر ما آسفني أثناء قراءتي لهذا الكتاب هو الحديث عن أسماء من سقطوا في تلك المعارك العبثية التي لم تحقق لنا هدفا يذكر… ربما أكثر إيلاما من فكرة الفشل ذاتها! فكل بضعة صفحات من الكتاب نقرأ عن المفكر الشاب فلان الذي سقط في المعركة الفلانية، والمهندس الشاب فلان الذي قتل بانفجار لغم أرضي، والأديب الشاب فلان الذي قضى نحبه أثناء قصف المنطقة العلانية، وهكذا نستمر بقراءة أسماء هؤلاء الشباب الجامعي المثقف والطموح والذي بكل تأكيد كنا سنستفيد من حياته أكثر بألاف المرات من أخبار موتهم.

عندما نقرأ قصص هؤلاء الشباب برواية من عاشرهم وتعرف عليهم عن قرب وعاش نفس عيشتهم فإن ذلك يجعلنا أكثر إدراكا بأن ما نسمعه ونقرأه يوميا في نشرات الأخبار عن سقوط الضحايا في الحروب والمعارك المستمرة حولنا ليس مجرد أخبار تروى ولا أرقام تحصى، كل فرد يموت من حولنا في هذه الحروب له أهل وأصدقاء وله قصة وحياة وطموح وأهداف كان من الممكن أن يحققها في حياته فينفع بها نفسه وينفع أمته، فإن أدركنا ذلك أليس علينا إذن أن نكتفي بما خسرنا ونوجه طاقاتنا نحو الحياة بدل توجيهها إلى الموت؟

لو لم يقرر شفيق الغبرا الإنسحاب من حياة النضال في الوقت المناسب فلربما كنا قد خسرناه كبقية من خسرنا من شباب ولما استطعنا أن نقرأ كتابه هذا… وغيره من مؤلفاته، لكنه عاد إلى وطنه واستمر في حياته وحصل على أعلى الشهادات ورجع ليربي أجيالا من الشباب (وأنا أحدهم!) ويثقفهم بالقضية التي آمن بها، بالتالي بدلا من أن يكون رقما آخرا خسرناه بالحرب أصبح إنسانا منتجا أفاد أمته وقضيته أكثر من فائدة جميع الرصاصات والمتفجرات التي كان سيوجهها لو كان بقي مرابطا في الجنوب اللبناني.

عندما تحدثت في مقالي السابق عن ثقافة الرماد وكيف أن الأفكار السائدة لدينا والداعية للعنف والمتباهية فيه هي واحدة من أخطر ما نواجهه اليوم من مشاكل تؤدي لحالة التخلف التي نعيش بها فإني أرى من خلال هذا الكتاب تجسيدا تاريخيا موثقا على كلامي، كما أرى بفكرة انسحاب شفيق الغبرا من دوامة العنف واختياره لطريق العلم والثقافة كبديل هي قمة النضج التي يجب أن نسعى إليه ونحاول زرعه في أجيالنا القادمة، لا أدري إن كان الغبرا ذاته اليوم سعيدا بقراره هذا ومقتنعا فيه أم نادما عليه، ولكني أنا سعيد به، وسأسعد بأي قرار مشابه له من أي شاب اليوم، سأسعد بأي قرار يسعى لزراعة الحب بدلا عن #زراعة_الكراهية.

ثقافة الرماد

ثقافة الرماد

 

عندما أتعرض يوميا في تويتر ووسائل الإعلام العربية لسيل من الأفكار الداعية للعنف تحت مسميات مثل الكرامة والتضحية أو حتى الدفاع عن النفس فلا أستغرب، فبثقافتنا العربية نجد العنف مرتبطا بالشجاعة، وذلك يبدوا لنا جليا في الأدب والتاريخ وحتى الفن كما أوضحت في مقال نحن أبطال الجهاد، وقس على ذلك نوستالجيا البطولة العربية المتمثلة بأشعار عنترة بن شداد وقصص الزير سالم وملاحم أبو زيد الهلالي وأفلام فريد شوقي!لكي نكون واقعيين فإن كل أمة لها أبطالها “العنيفين”… لا خلاف على ذلك، لكن الفرق هو أن بقية الأمم تحاول حصر هذا العنف بزاوية الخيال الأدبي… إلا نحن! نعم تعتز كل أمة بأبطالها التاريخيين رغم دمويتهم… لكن عند دراستهم اليوم فإنهم يقدَّمون على شكل قصص وروايات وأفلام أقرب للخيال حينا… أو كدراسات أكاديمية تحلل وتفسر أسباب نجاحهم (إن كانوا قد حققو نجاحا) وتنقدها نقدا موضوعيا يظهرهم كشخصيات إنسانية تحمل الخطأ والصواب في أفعالها، فلا يقدَّمون أو تقدم بطولاتهم كمثال تربوي يحتذى بمدى العنف والدموية الذي يحتويه.

واقعيا… نحن ما زلنا نروج للعنف على أنه “حق مشروع” ولا ضير منه! مع أنه لو تبصرنا بهذه الجملة لاستوجب علينا أن نخجل من أنفسنا صراحة! بالطبع للهروب من قباحة كلمة “العنف” فإننا نجمّلها ونستبدلها باسم “المقاومة” حينا وباسم “إعلاء الحق” حينا آخر… وإلى آخره من الكلمات الداعية إلى إقصاء “الآخر” الذي لا يعجبنا لأي سبب كان، أي كأنك تقول بأنه من حقك أن تقتل وتدمر وتشعل الفتن وتثير المشاكل فقط لشعورك بأنك “مظلوم” مثلا أو تجابه الشر أو حتى تحاول إثبات موقف، بل ومن حقك مقاتلة كل من ينكر عليك “حقك” هذا!

بمحض الصدفة تاريخ كتابة هذا المقال (٣٠ يوليو ٢٠١٤) يتزامن مع الذكرى الرابعة والتسعون لميلاد فريد شوقي، نجم القوة والفتوة والعنف في الأفلام العربية القديمة!
بمحض الصدفة تاريخ كتابة هذا المقال (٣٠ يوليو ٢٠١٤) يتزامن مع الذكرى الرابعة والتسعون لميلاد فريد شوقي، نجم القوة والفتوة والعنف في الأفلام العربية الكلاسيكية!

قبل أن أبدأ بإيضاح وجهة نظري – التي قد لاتعجب الكثير من القراء – بهذه المسألة علي أولا أن أعرف المقصود بكلمة “العنف”، يعرف العنف بأنه: “سلوك يتضمن استخدام القوة المحسوسة بغرض إلحاق الأذى أو الإضرار أو قتل شخص أو شيء ما”، ويطلق العنف كذلك على القوة العاطفية أو القوة الطبيعية المدمرة (التعريفات من قاموس أوكسفورد)، من ذلك نستنتج بأن المقصود بالعنف هو فعل التدمير بحد ذاته بغض النظر عن أهدافه إن كانت شريرة أو “سامية”.

فهل نحن كأمة عربية نهتم بهذا المعنى للعنف؟ يكفي القول بأن صفحة تعريف “العنف” بالويكيبيديا العربية وقت كتابة هذا المقال هي فقرة واحدة (٤-٥ أسطر)، بينما الصفحة الإنجليزية مجرد المرور السريع عليها يصيبك بالملل لطولها! الصفحة الإنجليزية تحتوي على ١٣٢ مصدرا، بينما العربية تحوي ٤ مصادر… مكتوبة باللغة الإنجليزية!! وهذا دليل مادي بسيط على مدى اهتمام ثقافتنا العربية بمفهوم العنف.

لكي تصل فكرة العنف لمستوى القبول كما هو موجود في ثقافتنا فإنه لا بد من أنه قد تمت عملية تأسيس ثقافي متين لها، فهي فكرة ليست هينة إطلاقا، التأسيس الثقافي لديه الإمكانية بأن يربط أي معنى بأي رمز إن مورس بشكل مركز ومخطط له، حتى لو كان ذلك المعنى غير منطقي، مثال على التأسيس الثقافي – كما أقوم بشرحه لطلابي – هو معنى الألوان، الألوان بشكل عام عبارة عن رموز، حالها حال الأشكال والكلمات والمفاهيم، والرموز يمكن أن تحمل عدة معان حسب المؤثرات الثقافية (مثل اللغة، التربية، التعليم، الديانه، الظروف الاجتماعية والاقتصادية… الخ)، فلو تم تدريسك وتأكيد فكرة أن اللون الأبيض مثلا هو لون حزين منذ طفولتك فستكبر وأنت مؤمن بهذا الأمر، فإن كبرت وشاهدت عروسا ترتدي فستانا أبيض بيوم زفافها ستستغرب وتستنكر الأمر!

قس الكلام المذكور أعلاه على مفهوم العنف وربطه بالشجاعة والكرامة والنخوة ودفع الظلم كما تم تعليمنا، إن كنت مؤمنا بهذا الإرتباط فإنك لا تلام بصراحة! نحن أمة نشأنا على تلك الأفكار العنيفة وتم تأسيسنا عليها ثقافيا عن طريق التربية الأسرية والمناهج الدراسية والسرد التاريخي والإعلام وحتى الدين، شاهد معي هذا المثال الصارخ حول الكيفية التي تتم بها زراعة العنف والكراهية بنفوس أطفالنا والذي أسردت لها مقالا كاملا يحمل عنوان زراعة الكراهية كنت قد كتبته عام ٢٠٠٨:

 

 

تحدثت في المقال عن امتعاضي من الإصرار على إذاعة هذه الأغنية الكارثية تربويا على إحدى قنوات الأطفال المشهورة (قناة سبيس تونز)، وكيف أن الخطورة ليست فقط في محتواها العنيف والإقصائي… بل بمحاولة بث هذه الأفكار وتعميمها على عقول كافة المشاهدين من الأطفال، يعني كل أب أو حتى مؤسسة تربوية قد يكون لهم الحق في تنشئة أبنائهم بأي فكر يريدون مهما كان غير مقبول بالنسبة لنا، لكن المصيبة هنا هي محاولة فرض هذه التنشئة على عامة أطفال الأمة، وقد يكون ما نشاهده ونقرأه اليوم من أفكار عنيفة يطرحها شباب التويتر هي – جزئيا – ناتج لما شاهدوه وسمعوه على سبيس تونز قبل ٦ سنوات، طبعا أنا هنا لا ألوم هذه الأغنية أو هذه القناة لوحدها كسبب لفكر العنف الموجود لدينا… فتلك سذاجة! ولكن كما بينت أعلاه فإنها منظومة ثقافية متأصلة ومتجذرة لدينا تبث هذه الأفكار والمفاهيم وتجعلها جزءا منسوجا ضمن خيوط نسيجنا الثقافي.

هل معنى ذلك أننا أمة كتب عليها أن تعيش العنف والكراهية ولا أمل لها بالتغير؟

طبعا لا!

الثقافة عملية مستمرة، تغييرها يحتاج لإيمان بأهمية التغيير وإصرار على المبدأ ومجابهة شجاعة للأفكار السائدة، وحديثي في هذا المقال ليس موجها لدعاة العنف بل هو لرافضيه، أدعوهم ليرتفع صوتهم وينجلي خوفهم من الأصوات العالية المحيطة بهم… وهي أصوات مرعبة بالفعل! دعاة العنف في مجتمعاتنا لا يستسهلون ممارسة ذلك العنف على مخالفيهم وحسب… بل يستسهلونه حتى ضد مع يطرح أفكارا نابذة للعنف الذي يدعون إليه حتى لو كانوا من أبناء جلدتهم، فالداعي للسلم ولنبذ العنف بالنسبة لهم تطلق عليه صفة الذلة والخنوع والاستسلام حينا والخيانة والعمالة حينا آخر، من الأمور التي طالما أصابتني بالحيرة هي أننا كلما اشتعلت أزمة من حولنا نسعد عندما نشاهد أو نسمع أحدا من “الطرف الآخر” يعارض العنف، لكن عندما تكون المعارضة من طرفنا فتصبح محرمة! تجدنا نسارع للمشاركة بنشر صورة للمظاهرات الداعية لوقف العنف ضدنا، لكن عندما نسمع رأيا يطالب بوقف العنف من قبلنا فإننا أوتوماتيكيا نسميه صوتا انبطاحيا صهيونيا… فيالها من موازين مختلة لدينا!

من خلال ملاحظاتي على تويتر مثلا وجدت أن من يشاركونني رأيي الداعي للسلم كثر… لكنهم صامتون! على عكس الرأي السائد الآخر، أنا نفسي كنت أؤثر الصمت كلما اشتعلت الأزمات وعصفت بالأمة من حولي، فبالصمت السلامة، لكني وصلت لمرحلة لم أستطع معها الاستمرار بذات الصمت! وأنا اليوم أدعوا المسالمين الصامتين أمثالي أن يكفوا عن ذلك…

قولوا لا للعنف! لا لزراعة الكراهية!

نعم للسلام… نعم لزراعة الحُب!

قولوا نعم للعلم، للفن، للأدب، للثقافة، للتنمية، للبناء، للعلاقات الطيبة، للمعيشة الرغدة، للإنسان وحياته وحقوقه البشرية!

اقرأوا التاريخ ثانية ليس بغرض المتعة أو التغني بالأمجاد أو التحسر على الماضي، بل اقرؤوه قراءة نقدية محايدة غير متأثرة بأكاسيد الأفكار السائدة المترسبة في عقولكم، ليس كل سائد صحيح، وليس هناك معنى عالميا لكل رمز، إن أدركنا هذه الحقيقة فسنكون قد خطونا الخطوة الأولى في طريق إصلاح المفاهيم، فإن فعلنا ذلك سنجد بأن ما من أمة حققت مجدا بعنف، لم يحدث نماء وسعادة لأي شعب أثناء حرب، بجميع حروب العالم… الفائز والخاسر فيها لم يتقدم ويتحضر ويقوى ويحقق الرخاء والسعادة إلا بعد أن يتم السلام والاستقرار.

الأمر بغاية البساطة ولا يحتاج لشهادة في الفيزياء أو الفلسفة حتى ندرك بأنه إن كان معي ألف دولار فيمكنني أن أشتري بها صاروخ غراد… أو أوفر بها علاجا أو وجبات طعام أو خياما تكفي لمساعدة ألف شخص، الخيار الأول خيار العنف والثاني خيار السلام، فماذا سنختار؟

——————

شارك برأيك على تويتر من خلال الهاشتاغ:

#زراعة_الكراهية