أرشيف الوسم: اجتماعية

يا عـلــِّـك الجـرادة!

Jaradah - Boramyah
علم الحيوان (Zoology) يعتبر من العلوم الجميلة و التي من النادر أن نجد المتخصصين فيها من شبابنا ، و من الطريف هو أنني كلما تذكرت اسم هذا العلم اللطيف أتذكر واحد من الربع لأنه متخصص فيه و أتذكر قصة رواها لي أحد الشباب (و العهده عليه) أن أحد دكاتره قسم العلوم كان يقرأ من كشف الغياب أسماء الطلبة مع تخصصاتهم.. فكان يقول : “فلان.. احصاء ، فلانه.. مدنية ، فلان.. كمبيوتر..” إلى أن وصل إلى اسم واحد فقال : “فلان…. حيوان”!! 🙂 .. الحمد لله إني لم أكن مكان ذلك الشخص في تلك اللحظة و أن ثقافتي الحيوانية لا تتعدى ما درسناه في مادة الأحياء و ما قرأته من موسوعة المعرفة و الموسوعة الطبيعية الميسرة عندما كنت صغيرا.. بالإضافة لبرامج قناة دسكفري طبعا.تحدثت في مقالاتي الأخيرة عن الخفافيش و عن الديدان و أستمر اليوم مع مخلوق جديد و هو الجرادة ، كثير من الناس يحبون الجراد و يفرحون لرؤيته.. خصوصا فترة الربيع بالبر ، حتى أن هناك بعض الشعوب (و منها ربعنا) يعتبرون الجراد من الأكلات الموسمية الخاصة و المميزة.. و قد أخبرنا الرسول صلى الله عليه و سلم أن الجراد -مثل السمك- من ما يحل أكل ميتته ، إلى الآن تمام.. لكن الجرادة -تلك المخلوقة العجيبة- لها أسلوب و فلسفة غريبة بالحياة ، فهي على خلاف أغلب المخلوقات الأخرى لا تدخر طعامها و ليس من أولوياتها أن تستقر في مكان واحد لكي تعيش حياة هادئة مستقرة مستقلة بذاتها معتمدة على نفسها في تحصيل قوتها و إعالة ذريتها من عرق جبينها.. مثل النملة مثلا.. بل إن حياتها عبارة عن رحلة طويلة تعبر خلالها البلدان و القارات و كل همها خلال تلك الرحلة هو أن تجتر كل ما أمامها من أخضر و يابس! فحياتها سريعة و دون هدف واضح.. كل همها هو أن تجري و تأكل كل ما يصادفها دون أن تفكر و تحسب حساب نتيجة نمط حياتها هذا.

قد نستنكر نحن تصرفات هذه الحشرة غريبة الطباع.. و لكن إذا نظرنا إلى الأمر من وجة نطرها فمن الممكن أن يزول استغرابنا قليلا.. لماذا؟ لأن الجرادة تعتبر مخلوق بلا وطن.. فموطنها هو المكان الذي تجد فيه قوتها.. فإن فني القوت هزت جناحها و قالت : “باي باي يا ديرة الفقر و الخراب!” و انتقلت لرقعة أخرى لتكرر معها نفس السيناريو ، نعم هي حشرة.. لكنها حشرة أصابها الغرور حتى ظنت أن جنحانها و أقدامها القوية هي كل ما تحتاجه للاستمرار في هذه الحياة التي يكسب فيها الشاطر أيا كان الثمن ، فهو (الشاطر).. لأنه شاطر.. يعرف كيف يدبر نفسه و ينفذ بجلده و يخلي الحساب يوم الحساب.

معقولة وجهة نطرها ، لكن هل ممكن أن نسميها أخلاقية؟ لا تسألني أنا بل اسأل مزارعا كد و اجتهد و صرف دم قلبه على محصولاته التي لهفها الجراد في ليلة و ضحاها ، أو حتى اسأل بقرة أو خروفا أو دجاجة كرست حياتها لخدمة الغير بشرف.. و حسبت لقماتها و عدد ما أكلتها من حبات و وريقات من أجل أن تضمن ما يكفيها و يكفي عيالها لكل العام ، هي لا تملك جناحا لتطير به.. بل تملك قلبا تعلق حبا بالأرض التي تعيش عليها و جبينا سال منه من العرق ما بالكاد يكفي لري تلك الأرض التي أعطت دون من.

في أيامنا هذه قلت رؤيتنا للجراد في مواسمه المعتادة ، فآباءنا و أجدادنا طلما حكوا لنا قصصا عن موسم الجراد و كيف كانت الشمس تحتجب تحت ستار أسرابه.. و كيف كان الناس يملؤون منه الخياش الكبيرة.. فيأكلون منها ما يأكلون و يبيعون منه الباقي بالأسواق ، أما الآن فقد اختفت هذه الظاهرة لدينا تقريبا و الفضل في ذلك يعود لثورة الفلاح الأفريقي الذي أخذ على نفسه عهدا أن لا ينحني لتلك المخلوقة الجشعة و أن يدافع عن أرضه و رزقه و قوت أبنائه أشد دفاع ، فلله الحمد بفضل ما يواجهه الجراد من عمليات مكافحة أصبح خطره أقل قليلا و أصبح وصوله لنا أكثر ندرة.

و لكن.. و لله في ذلك حكمة.. يبدوا أن الجراد قرر أخيرا أن يطور من ذاته و ينمي قدراته الخطابية و أساليبه في مخاطبة الجمهور ، فمع ما تشهده بلادنا من عمليات تطوير و تحديث خرج علينا نوع جديد -مطور- من الجراد ، لا تؤثر فيه المبيدات التقليدة (ولو إن يبيله نجربها عليه و نشوف شنو يصير :)) و المشكلة الأكبر أن لدى هذا النوع من الجراد أساليب سحرية استنسخها من سموم بعض العناكب التي تخدر ضحيتها و تلفها بغطاء حريري دافئ و مريح حتى تبقى طازجة لحين موعد الغداء.. و لكن الفرق هو أن الجرادة المطورة ليس من طبعها أن تنتظر غداء.. فكل وقت لديها هو وقت غداء!

و لكن.. و بفضل الله تعالى.. هناك سلاح جديد طورته مجموعة من الشباب الكويتي العاقل الذي لا يرضى أن يكون للجراد على أرضه مكانا ، الشباب الذي يقدر أرضه و يرى فيها فرصة لا لقمة.. ينظر لحاجتها و يعطيها.. و لا ينظر لشهوته فيقضيها ، مجموعة الشباب تلك استفادت من حركات المكافحة التي حدث في أفريقيا ليطور سلاحه الجديد ، ففي أفريقيا استخدم مبيد الـ D.D.T .. في الكويت قرر شبابنا الواعي أن يستخدم سلاحه الجديد و الذي أطلق عليه اسم N.A.L و ترجمتها بالعربية هي… “النعال” !!!

نعم النعال !! فبوركت يا نعالي إن سحقت بك جرادة !

عاشت التكنولوجيا الكويتية..

و عاشت الكويت حرة و خالية من كل .. آفه!!

و حسبي الله و نعم الوكيل..