مصيدة المطبوعات: مزايا وعيوب تعديل قانون المطبوعات الكويتي

قانون المطبوعات الكويتي واحد من أكبر المعضلات التي تواجهها حرية التعبير في الكويت، فذلك القانون المشؤوم الصادر على حين غرة عام 2006 تسبب وما زال في إرهاب وملاحقة كل صاحب كلمة منشورة أو مذاعة أو مصورة على أرض هذا الوطن. تحدثت عن هذا القانون وتوابعه كثيرا في هذه المدونة، ويعود اليوم مطروحا في ساحة النقاش بعد أقرت مؤخرا بعض التعديلات عليه. ما هي تلك التعديلات؟ ما هي آثارها المحتملة؟ هل سيكون لها أثر إيجابي أم سلبي على حرية النشر؟

الأمر معقد قليلا، سنقسم آثاره إلى إيجابيات، سلبيات، ومنطقة رمادية. لكن قبل ذلك علينا أن نستوعب أهم تغيير حدث في هذا التعديل، وهو مسألة الرقابة المسبقة وكيف تحولت إلى لاحقة. لفهم آلية الرقابة المسبقةكتبت سابقا مقالا بعنوان الرقيب المسكين.

إيجابيات التعديل

التعديل الأهم على القانون هو مسألة إلغاء الرقابة المسبقة على الكتب “المستوردة“، فبعد أن كان القانون ينص على ضرورة أن تعرض الكتب قبل التصريح ببيعها على لجنة رقابة المطبوعات بوزارة الإعلام لتحصل على فسح منها، صار نص القانون الآن أن الكتاب لا يحتاج إلى أكثر من إخطار الوزارة بعنوان ومعلومات الكتاب وإيداع نسختين منه لديها… ثم يطرح للبيع مباشرة.

تلك خطوة إيجابية بالطبع… على الأقل ظاهريا!

أكبر مشكلة بالقانون القديم لم تكن قانونية ولا سياسية ولا أخلاقية، بل كانت إدارية! آلية الرقابة شيء مرهق ويستنزف طاقة الكاتب والناشر، مع التعديل وإلغاء الرقابة المسبقة أصبح النشر أسهل نسبيا.

طبعا أكبر مستفيد هنا هم الناشرون والمكتبات، لأن حياتهم ستكون أسهل. مشهد صناديق الكتب الملقاة في ممرات ومكاتب إدارة الرقابة منتظرة رأي الرقيب كان منظرا كئيبا ومثيرا للغثيان، خاصة بفترة ما قبل معرض الكتاب. هذا المنظر من المفترض أنه سينتهي بعد هذا التعديل.

قانونيا كل ما كان يحظر نشره مازال ممنوعا… وزيادة! لكن الفرق أن فرصة نشره رغم شبهة مخالفته للقانون أصبحت أكبر. مرة أخرى الناشرون (والقراء) هم المستفيدون من ذلك لأن عدد المصنفات التي سيتمكنون من بيعها ستكون أكبر، وفرصة تعرضها للمنع لاحقا ستكون أقل لأن الكثير من المحظورات الموجودة فيها لن يلاحظها أحد، لأن الرقيب المحترف لم يعد موجودا.

كذلك فإن فرصة تعرض الكتب للمنع للأسباب السخيفة كما كان يحدث سابقا ستقل كثيرا، فلا أتوقع أن أحدا سيتحمس لرفع قضية على كتاب لورود كلمة “نهد” فيه بشكل عابر… أو لأن فيه صورة شخصية ليتيل ميرميد يظهر بطنها!

نقطة إيجابية أخيرة هي أن اختفاء المنع المسبق للكتب يعني أننا أيضا – بشكل غير مباشر – سنتخلص من العنتريات المزعجة لبعض الكتاب ممن يفاخرون بمنع كتبهم! لن نتخلص منها بالكامل… لكنه إزعاج سيقل التعرض له.

سلبيات

الآن دعونا لا ننجرف بالحماس للتعديل، فتعديل القانون لا يعني إطلاقا أن الحريات أصبحت أكبر… بل بالعكس أصبحت أضيق وأخطر!

خطر تعرض الكتاب للملاحقة القانونية الفعلية مازال موجودا بل أصبح أكبر وأكثر خطورة لعدة أسباب:

١- لعدم وجود رقيب يراجع الكتاب
٢- لتخلص الرقيب من المسؤولية السياسية
٣- لإدراج محظورات أكبر مع التعديل

أولا، لا أقصد أبدا مدح الرقيب! لكن وجوده كان يشكل عقبة في طريق نشر ما هو ممنوع قانونا، وإن كان ذلك لا يعني الحماية الفعلية للكتاب. فحتى مع الرقابة المسبقة يمكن أن تتعرض الكتب للملاحقة القانونية، وحدث ذلك من قبل، أي أن يجاز الكتاب من لجنة الرقابة لكن ترفع عليه قضية لاحقا في المحاكم. لكن فرصة حدوث تلك الملاحقة حاليا أصبحت أكبر لعدم وجود فلتر للمنشورات، حتى من حيث الكم، عناوين أكبر دون رقابة تعني عناوين أكثر من الممكن أن ترد فيها كلمة تتسبب بمحاكمة المسؤول عنها.

ثانيا، الرقابة المسبقة كانت تشكل ضغطا هائلا على الحكومة، وتحملها مسؤولية كل ما ينشر ويذاع ويقال، الآن نوعا ما هي ارتاحت من هذا الحمل وأصبح حملا على أكتاف المحتسبين من الشعب… وما أكثرهم!

بالسابق كانت الرقابة عبارة عن أداة سياسية تستخدمها بعض القوى للضغط على الحكومة، أما اليوم فنوعا ما صار الشد مباشرا بين تلك القوى وبين الكتاب. ذلك أمر إيجابي للحكومة… أما الكتاب فكان الله في عونهم على ما سيأتي!

ثالثا، وهي النقطة الأخطر، خاصة إذا ما قرناها بالنقطتين السابقتين – والتي يتجاهلها المدافعون عن القانون المعدل – هي إدراج محظورات جديدة مع التعديل الجديد على القانون، وهي محظورات حساسة وبغاية الخطورة!

وكأن المحظورات الإثناعشر السابقة لم تكن كافية… أصبحت الآن 13. طبعا بند 11من مادة 21 الجديد من محظورات النشر كارثة تستحق مقالا مطولا لنقاشها! وهو بند يحظر مناقشة المواضيع الطائفية والقبلية والعنصرية بشكل يثير “الفتن” أو “التحريض”. وهي مصطلحات مطاطة… ظاهرها بريء… لكن على أرض الواقع ستتسب بمجازر قانونية كريهة!

ضع في بالك أن محظورات قانون المطبوعات هي ذاتها التي تشير لها محظورات قوانين الإعلام الأخرى. يعني تضييق الحرية بسبب التعديل الجديد لن يصيب الكتب وحسب، بس سيصيب الصحف، الإعلام المرئي والمسموع، النشر الإلكتروني، وجرائم تقنية المعلومات.

رماديات

المشكلة في قانون المطبوعات حتى قبل التعديل لم تكن في نصه وحسب، بل حتى في تطبيقه.

هل تعلم أن نص قانون المطبوعات قبل التعديل لا يعطي الرقيب الحق بمراقبة الكتب المنشورة داخل الكويت، فنص القانون يقول بأن الناشر المحلي فقط يخطر الوزارة بمعلومات كتابه ويودع لديها نسختين، لكنهم ولسنوات طوال كانوا يضربون هذا النص بعرض الحائط ويصرون على مراقبة الكتب المحلية والمستوردة على حد سواء؟! تعديل نص القانون الجديد من المفترض أن يساوي بالمعاملة بين الكتاب المحلي والمستورد… لكن المحلي كان مظلوما أساسا!

نص التعديل يتحدث عن إلغاء الرقابة المسبقة للكتب المستوردة، وستكون الكارثة المضحكة أكبر إذا قرر الإخوان بإدارة الرقابة أنهم سيكتفون بتطبيقه عليها واستمرار الرقابة المسبقة على الكتب المحلية… سأضحك كثيرا من القهر إن تم ذلك! وبصراحة هو أمر رغم غبائه إلا أنه غير مستبعد، فالوضع السابق استمر لأربع عشرة سنة رغم المطالبة بتصحيحه، وكنت قد ناقشت الأمر كثيرا مع المسؤولين بوزارة الإعلام ومع الناشرين المحليين ومع الزملاء الكتاب والناشطين السياسيين… لكن رغم ذلك لم يصحح الوضع، لذلك فإن الغباء بتطبيق القانون أمر ليس مستبعدا رغم النص الصريح.

ربكة

الوضع كما نرى مربك ومشوش، فيه الإيجابيات وفيه السلبيات، وفيه منطقة رمادية كبيرة لا ندرى حتى الآن ما هي نتائجها. لا ندري بالضبط كيف سيتم معاملة القانون المعدل، من سيتولى عملية الرقابة اللاحقة؟ هل أصبحت رقابة أهلية بحتة؟ هل ستستمر الحكومة بملاحقة الكتاب قانونيا بزعم الرقابة اللاحقة؟ أم ستكتفي بالمنع الإداري؟


الوقت هو ما سيبين لنا نتائج هذا التعديل، نأمل أن تسير الأمور للأفضل، لكني لا أستطيع أن أفرح وأتفاءل بالوقت الحالي.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *